اختبارات الداخل الصعبة تنتظر أردوغان 2010

TT

تركيبة البنية السياسية والثقافية التحتية للمجتمع التركي لا تختلف كثيرا في مميزاتها وخصائصها عن الحالات التي نعيشها في معظم دول المنطقة وبين شعوب جغرافيا العالم الثالث.. روح المصادمة والمواجهة والتصعيد السياسي تتقدم دائما على ضرورات التلاقي والتفاهم والالتقاء، وبقدر ما يترصد الخصوم والمنافسون السياسيون بعضهم البعض من مكان إلى آخر، يضع الكثير من الإخوة الأعداء مصالحهم وحساباتهم الشخصية فوق أي اعتبار آخر.

ضمن هذه المعادلات الصعبة يبدأ حزب العدالة والتنمية الذي يقوده رجب طيب أردوغان، والذي يحرك دفة السفينة السياسية في تركيا منذ 7 سنوات، عامه الجديد. فهو رغم الانتصارات الكبيرة التي حققها في سياسته الخارجية لم ينجح بعد في تجاوز قطوع الداخل والعبور إلى الجانب الآخر من النهر الجارف في البلاد. ورغم آخر استطلاعات الرأي التي تطمئن أردوغان بأنه ما زال يتصدر اللائحة السياسية والحزبية في تركيا وأن أقرب المنافسين يبعد عنه بعشرات النقاط وأن 80 في المائة من الأصوات التي أوصلت حزبه إلى الحكم ما زالت ملتزمة بالوقوف إلى جانبه في أية انتخابات عامة قد تجري في محاولة لتجنب حدوث فراغ سياسي يطيح بحالة الاستقرار السياسي النسبي القائمة في البلاد وإعادة تركيا إلى الوراء وأحداث مطلع العام 2000 تحديدا وحالة التشرذم والتناحر والاختصام، فإن المواطن يعرف أيضا أن أياما صعبة تنتظره أمام صورة الوضع السياسي القاتمة هذه. فالعدالة والتنمية عجز عن تنفيذ الكثير من الوعود والإصلاحات الداخلية ووضع حد لعشرات المشكلات والعقد السياسية العالقة التي ترفض التريث والانتظار أكثر من ذلك. أردوغان وحزبه يستعدان لاستقبال العام 2010 وأمامهما روزنامة طويلة من الوعود والالتزامات تعهدا بإنجازها ضمن برامج إصلاحية سياسية تعثر الكثير منها. لا بل هما يقفان على مسافة بعيدة من حلول مبددة في قضايا حساسة وحاسمة بينها تغيير الدستور وإطلاق المزيد من الحريات الدينية والسياسية والفكرية.

خلال الأسابيع المقبلة ستتضح الصورة أولا في موضوع «أرغنيكون» حيث وجهت التهم إلى مجموعة من الضباط والأكاديميين والإعلاميين ورجال الأعمال بمحاولة تحريض الجيش على تنفيذ انقلاب عسكري جديد يطيح بالعدالة والتنمية، لكننا سنعرف أيضا كيف سيتعامل حزب أردوغان مع قضية تتشعب وتفرخ يوميا المزيد من التفرعات التي تزيدها تشابكا وتعقيدا وتتركها في مواجهة لا بد منها في نهاية الأمر مع المؤسسة العسكرية التي تنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض كما يرى الكثير من المراقبين.

في القريب العاجل أيضا ستتكشف فرص المعادلة المعكوسة التي رفعتها حكومة رجب طيب أردوغان القائمة على لعب ورقة النجاحات الخارجية في تجاوز أزماتها الداخلية، وهل ستتوافر لها مثل هذه الإمكانات أمام تمرد وعصيان المعارضة السياسية التي يقودها حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية المتشددة والتكتل الكردي الجديد الذي تراجع عن قرار الانتحار الجماعي في اللحظة الأخيرة. بإيجاز، في الأيام المقبلة سنعرف إلى أين ستقودنا المساومات وحملات الأخذ والرد في المسألة الكردية العاصفة داخل تركيا هذه الأيام، هل سيحقق أردوغان وحزبه تقدما على الأرض، أم أن القوى المعارضة والمتصلبة ستنجح في العرقلة وتحميل حزب العدالة والتنمية الثمن الباهظ بسبب سياساته ومواقفه التي وصفت بأنها تطال وتهدد أسس النظام وبنيته خلال التعامل مع هذه القضية؟ قريبا سنعرف كذلك إذا ما كان أردوغان يعد لخبطة سياسية داخلية تطيح بخصومه وتبعدهم عن المنازلة لحقبة طويلة من خلال الإعلان في النصف الثاني من العام الجديد عن انتخابات عامة مبكرة لا تمكنه من الاحتفاظ بقيادته لمجلس النواب التركي وحسب، بل قد توفر له فرصة طرح ومناقشة مسألة خلافة الرئيس التركي الحالي عبد الله غل في رئاسة الجمهورية بعدما لعب هو دورا أساسيا في إيصال غل إلى قصر «شنقايا» في أعقاب أزمة سياسية حادة استمرت لأشهر في البلاد.

بانتظار خروج تركيا من أجواء الاحتفالات بالعام الجديد، التي وفرت للبلاد هدنة سياسية يحتاجها الجميع، نتوقف عند أهم ما طالعتنا به وسائل الإعلام والصحف اليومية في الأسبوع الأخير من أنباء اجتماعية وحياتية تقدمها خبر فرار كلثوم أرصلان الأرملة العجوز البالغة ثمانين عاما إلى بيت الحبيب كاظم يلدز الذي يفوقها عمرا في إحدى ضواحي مدينة قونيه غير عابئة بكلام الناس والذبحة القلبية التي تعرض لها نجلها الأكبر عند سماعه للنبأ. والحكاية التي ينطبق عليها المثل التركي القائل «الغرام في القلب وليس في السن» تقول إنهما تعرفا على بعضهما البعض في طابور معاش التقاعد وقررا الزواج الذي رفضته أسرة العجوز مما دفعها لتنفيذ مخطط الفرار إلى منزل الحبيب ورفض مغادرته معلنة أنها دخلته بكامل خيارها وإرادتها. أما الخبر الآخر المؤسف فقد جاء من مدينة أضنة المعروفة بكبابها اللذيذ والمميز والذي حصل على شهادة اعتراف وتقدير عالمية لنكتشف أن مئات الطلاب الجامعيين في القسم الداخلي في جامعة المدينة أكلوا لأيام ودون أن يتنبهوا وجبات لحم كانت عبارة عن خليط من لحم الأحصنة والحمير كما أفادت تقارير الشرطة ومختبرات المدينة وأقوال الشهود. أحد الطلاب كتب يسخر من زملائه قائلا إن الحادثة وقعت ولا فائدة من التطويل. المهم الآن معرفة إذا ما كان قد أكلوه بالعافية ذبح على الطريقة الشرعية أم لا!