ورائي ورائي.. حتى لو دخلت «جحر ضب»

TT

الكثير في مختلف أنحاء البلاد العربية تعرضوا لاتصالات مشبوهة تأتيهم من أشخاص أفارقة، يوهمونهم إما بتحقيق ثروة فجائية يسيل لها اللعاب، وإما بكشف الطالع وحل المشكلات المستعصية، ولا أستبعد أن واحدا على الأقل ممن يقرأ هذا المقال قد طب في الشرك، أو تعرض لمثل هذا الاتصال.

ومحسوبكم الذي هو أنا قد حصل لي ذلك قبل عدة أشهر عندما رن تلفوني الجوال رنة واحدة ثم أغلق، وشاهدت رقما غريبا خارجيا لا أعرفه، وفكرت أن أصرف النظر عنه وأهمله، غير أنني عندما أمعنت النظر أكثر أنّبني ضميري وقلت في نفسي: قد يكون هذا المتصل يا ولد زميلا في غربة ويمر في أزمة، أو امرأة مسكينة قد ضاقت بها السبل وأرادت أن تستنجد بي، عندها أخذتني الشهامة المشعلية التي هي دائما على «غير سنع» (أي على غير هداية).

المهم، اتصلت على الرقم فأتاني صوت إفريقي متحشرج، وأول رده كان: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وما إن سمعت ذلك الصوت حتى صُدمت وعرفت أنني اتصلت بأفّاق، فما كان مني إلا أن أوجه إليه شتيمة بالغة - ويا ليتني ما فعلت - لأنه رد عليّ الصاع عشرة أصوع، فانهمر عليّ بسيل من الشتائم المقذعة عندما عرف أنني كشفته، ومن الصعب أن أذكرها لكم من شدة الخجل، ولكنه أنهى ذلك الفاصل من الشتائم عندما هددني بلكنته الإفريقية وعربيته المكسَّرة قائلا: «إنني وراءك وراءك ولن أتركك، وسأحول حياتك إلى جحيم حتى لو دخلت جحر ضب سوف أدخل خلفك»، وحيث إنه لم يستطع أن ينطق حرف (ض) سليمة فلا أدري إلى الآن كيف نطقها.

أغلقت الخط بوجهه وأنا أرتعد، وبعدها أصبحت لا أدخل إلى غرفتي لكي أنام إلا وأغلق الباب خلفي بالمفتاح وأتبعته (بالترباس)، والذي دعاني الآن لذكر ذلك هو ما حصل في الليلة البارحة عندما كنت سامرا عند بعض الأصحاب، عندما رن تلفون أحدهم رنة واحدة ثم توقف، وسألنا ذلك الشخص إن كنا نعرف مفتاح أو اسم الدولة التي أتى منها ذلك الرقم، فتذكرت ما حصل لي، عندها صحت به قائلا: «احذر ولا ترد عليه لأنه بكل تأكيد آتٍ من بعض (البكّاشين)»، غير أن ذلك الصديق كان ممن يستهويهم صنع المقالب، وحيث إنه بارع في تقليد اللهجات والأصوات، فقد حَلَت اللعبة في عينه، وطلب منا السكوت، واتصل على ذلك الرقم وعندما رد عليه الإفريقي خاطبه بلهجة باكستانية مكسرة على أنه سائق الشيخ، فسأله الإفريقي أين عمك؟! فقال له: إنه في القصر وهذا ليس رقمه هل تريد رقمه؟! فقال له بلهفة: نعم نعم جزاك الله خيرا، وهل عمك تاجر؟! قال له: إنه تاجر كبير ووالده متوفى وتعيش معه والدته (خيريّة)، ومشكلته أن زوجته (سعاد) امرأة عقيم لا تنجب، ثم أعطاه رقم تليفونه الآخر، وانتهت المكالمة، وما هي إلا دقائق وإذا بالإفريقي يتصل على الرقم الآخر، فرد عليه بعد أن غير لهجته الباكستانية بلهجة سعودية متعالية، وسمعنا الإفريقي عبر «الاسبيكر» يقول لمن حوله: «هس، هس»، ثم أخذ يحكي له عن أمه خيريّة، وعن زوجته سعاد التي لا تنجب، وأنه يستطيع (بمشيئة الله) أن يجعلها تنجب خلال سنة واحدة لو حوّل له في حسابه مبلغ «كذا»، فقال له الصديق: «بسيطة»، وأخذ ينادي: «يا سعاد يا سعاد تعالي بسرعة لقد فرجها الله علينا»، وأخذ يقص القصة بصوت مرتفع وقال: «تعالي كلمي هذا الرجل الطيب واشكريه»، ثم غير صوته إلى صوت نسائي، وأمطرت (سعاد) الرجل الإفريقي بالتشكرات والدعوات.

كل هذا كان يجري أمامنا ونحن لم نستطع أن نملك أنفسنا من شدة الضحك. وبعدها انتهت المكالمة، وإنني على يقين أن ذلك الإفريقي الأفّاق لم ينَم حتى الآن من شدة الفرح انتظارا لتحويل المبلغ الذي لن يصل.

[email protected]