ديك تشيني يكذب بشأن الرئيس أوباما

TT

من المحزن أن يتراجع المرء عن قراره بالتغير مع بداية العام حتى قبل أن يبدأ العام الجديد، ولكنني فعلت ذلك مرة أخرى. فقد كنت قد وعدت نفسي بتجاهل نوبات غضب ديك تشيني المزعجة والسخيفة، وبأن أتعامل مع نوبات غضبه - بطريقة أو بأخرى - كما أتعامل مع الحكم التي يلقي بها المتسولون الذين يجلسون في الشوارع.

ولكن تشيني كان نائبا للرئيس مما يجعل آراءه لها ذلك الثقل الهائل، وبالتالي فليس من الصواب أن نتركه ينشر الأكاذيب دون أن نفندها. وقد دفعتني تصريحاته عالية النبرة والمليئة بالأكاذيب التي ألقى بها يوم الأربعاء إلى أن أؤجل العهد الذي كنت قد قطعته على نفسي.

ففي تصريح لـ«بوليتيكو»، بدا تشيني كأنه يحاول أن يجد نقاط ضعف يستطيع معارضو أوباما - الذين يعملون بلا شك على استغلال محاولة تفجير الطائرة لتحقيق مكاسب سياسية - استغلالها. وقد بدأ وابل الانتقادات الهجائية الذي ألقاه تشيني، بكذبة كبرى ظل يكررها طوال الوقت، حتى بدا الأمر كأنه يعتقد أن قول شيء ما وتكراره مرات كثيرة بصوت عال يجعل منه حقيقة.

فقد بدأ تشيني حواره قائلا: «اتضح لي وأنا أراقب أحداث الأيام القليلة الماضية أن الرئيس أوباما يتظاهر مرة أخرى بأننا لسنا في حالة حرب».

وذلك ليس صحيح على الإطلاق. فالحقيقة هي أن أوباما قال في الكثير من المرات إننا في حالة حرب ضد الإرهاب، قال ذلك وهو ما زال مرشحا، وقال ذلك في أول خطاب له: «إن بلادنا في حالة حرب ضد شبكة الإرهاب والكراهية الخطرة». وظل طوال الوقت يكرر ذلك. وكما يعرف تشيني جيدا، إذا لم يفقد فهمه للحقيقة، فإن التزام أوباما بالحرب كوسيلة لمكافحة الإرهاب لم يضف إليه شيئا بخلاف إغضاب الجناح الليبرالي في حزبه، الذي من المرجح أن تتزايد حدة غضبه.

ثم ألم يقل أي أحد لتشيني إن أوباما زاد عدد القوات في أفغانستان كي يتجنب خسارة الحرب التي شنتها إدارة بوش وتخلت عنها عمليا؟

بالطبع تشيني يعرف ذلك، ولكنه يستمر في استغلال الكذبة الكبرى - وهي أن إدارة أوباما «تتظاهر بأننا لسنا في حالة حرب» - لكي يُكرِه الإدارة على اتخاذ قرارات معينة. وهذه إحداها التي تظهر أمامي مباشرة: فتشيني يزعم أن الرئيس «يبدو كأنه يعتقد أنه إذا ما أغلق غوانتانامو وأطلق سراح الإرهابيين المتشددين الذين دربهم تنظيم القاعدة والذين ما زالوا بذلك المعتقل، فإننا لن نصبح في حالة حرب».

ومن العجيب أن يتحدث تشيني عن ذلك، لأنه يبدو واضحا أن الرجل المتهم بمحاولة تفجير رحلة الطيران 253 (عمر فاروق عبد المطلب) قد حصل على التدريب وربما القنبلة نفسها التي تتضمن متفجرات بلاستيكية تم حياكتها في ملابسه الداخلية من خلال تنظيم القاعدة في اليمن. ومن المحتمل أن يكون الرجلان اللذاين أطلق سراحهما من غوانتانامو قد لعبا دورا رئيسيا كقيادات للقاعدة في اليمن. مَن الذي ترك هذين الرجلين الخطرين يخرجان من سجوننا؟ لقد أطلقت إدارة جورج بوش وديك تشيني سراحهما.

كما أعرب النائب السابق للرئيس عن غضبه من محاولة إدارة أوباما إخضاع خالد شيخ محمد (مهندس هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001) للمثول للمحاكمة في نيويورك.

بالإضافة إلى أنه أعلن عن غضبه لأن أوباما لا يستخدم عبارة «الحرب على الإرهاب» طوال الوقت، بالطريقة التي كانت إدارة بوش تستخدمها بها. فأوباما يؤكد دائما أننا في حالة حرب ضد شبكة من الإرهابيين، انطلاقا من أنه من المستحيل أن نشن حربا ضد تكتيك ما. وفي نهاية تصريحه المكون من فقرتين، خرج تشيني تماما عن اللائق، عندما تحدث حول سعي أوباما لإجراء «تحولات اجتماعية» و«إعادة بنية المجتمع الأميركي». فبطريقة ما، يجب أن يكون لذلك علاقة بتنصل الرئيس المزعوم من المسؤولية والذي - بالطبع - ليس حقيقيا في أي جانب منه. ويجعلك ذلك تتساءل إذا ما كان تشيني يغذي خيال اليمين المصاب بالبارانويا أم أنه انضم بالفعل إلى زمرة المتطرفين!

يمكنني أن أجد أسبابا لانتقاد استجابة الإدارة لهجمات يوم الكريسماس، حيث إن رد فعل أوباما وفريقه لم يكن بالسرعة المطلوبة، بالإضافة إلى أن تصريحاتهم الأولى كانت ضعيفة، فلم يكن يجب على أوباما أن ينتظر ثلاثة أيام حتى يصدر تصريحا رسميا، وعندما ألقى بتصريحه كان يجب عليه إظهار بعض المشاعر. ولكن هل يمكننا أن نستغل عملا إرهابيا للحصول على مكاسب سياسية؟ لدي اقتراح لتشيني بمناسبة العام الجديد: بدلا من أن تسعى لتحقيق مكاسب شخصية، ضع مصلحة بلادك في البداية.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»