ناقش ما تعرف

TT

لا تناقش موضوعا لا علم لك فيه. إن فعلت سوف تخسر، أو تُهزم. ولا مخرج ثالثا. كان جون كينيدي واحدا من أغنى عائلات أميركا، تخرج في أهم جامعاتها، هارفارد. واطلع في منزله، يافعا وشابا، على كل أحوال العالم. وبعدما أصبح رئيسا خطر له أن يقارع زعيم الاتحاد السوفياتي، نيكيتا خروشوف. وبدل أن يختار موضوع النقاش الرأسمالية، التي يعرف عنها الكثير، اختار الشيوعية، التي يعرف عنها القليل. وفي أول قمة للرجلين، في فيينا، بدأ كينيدي الهجوم وبدأ خروشوف الرد. نجل سفير أميركا في بلاط السان جيمس، وابن عامل مناجم في أوكرانيا. خريج هارفارد ورجل لم تتعد سنواته المدرسية العامين. ابن إحدى أهم العائلات الأرستقراطية في العالم، ورجل أمضى سنواته الأولى حافيا لا يملك ثمن حذاء. وقال وزير خارجيته، فيما بعد، ديمتري شبيلوف، إنه لم يكن قادرا على توقيع اسمه إلا بالأحرف الثلاثة الأولى. الباقي، وهو كثير، خربشة وخرتشة.

كان عربيدا وجاهلا ومزاجيا، قالت عنه زوجته إنه «إما في العلو وإما في الحضيض». وكان بذيئا في خطابه السياسي وحادا وبلا ضوابط. لكنه كان أيضا مجتهدا وصبورا وكفيا. لقد أشرف الرجل الحافي على إنشاء مترو موسكو، الذي هو فخر الاتحاد السوفياتي. وأشرف على قيادة الحرب ضد الاحتلال النازي لأوكرانيا. وعندما صار زعيما على الاتحاد السوفياتي كان الفلاح الذي يشبه «الإجاصة» قد استحق الكرسي الأول في الكرملين.

ولا أدري أيهما فتح باب الفرص أكثر من الآخر؛ النظام الرأسمالي الذي أوصل ابن البقال ريتشارد نيكسون، وابنة بقال فينشلي مارغريت تاتشر، وابن مهرج السيرك جون ميجور، أم النظام الشيوعي الذي وضع «راعي الخنازير»، كما سماه نيكسون، في مواجهة نيكسون نفسه ثم كينيدي وجونسون وإديناور وديغول؟ كلما قرأنا المزيد عن التاريخيين ازداد التاريخ أمامنا غموضا وإثارة. نائب بلير كان بائع بوظة ولم يتغير منظره حتى الآن، ورئيس البرازيل كان عامل نظافة، وهو يسير ببلاده إلى أهم مرحلة في تاريخ ازدهارها. لا ندري أي نظام أتاح الفرص أكثر من الآخر. لكن ما إن مضت بضعة عقود حتى رأينا التاريخ، بجانبيه، يقدم لنا صفا من الاستثنائيين، رأسماليين واشتراكيين، عمالا وأساتذة وضابطا برتبة ملازم من كورسيكا، كان يُدعى نابليون، وصار اسمه الأول بأهمية اسم فرنسا.