ترحيل إمام متطرف

TT

علي السعدني لم يكن الأول الذي تبعده السلطات الفرنسية عن أراضيها، فقد سبقه 129 إماما وواعظا. وكانت فرنسا قد قررت مبكرا أنها لن تسمح لأئمة المساجد الأجانب الذين يلقون خطبا تدعو إلى العنف بالبقاء على أراضيها. لكن التوقيت هذه المرة وافق الأصوات المنادية بزيادة مواجهة المتطرفين بعد وقوع جملة حوادث تؤكد أن القاعدة، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، لم تعجز عن تجنيد المزيد من الشباب لارتكاب العنف، مثل الشاب النيحيري عمر عبد المطلب الذي كاد يفجر طائرة ركاب مدنية من الجو.

والفرنسيون أكثر شجاعة من البريطانيين الذين يعجزون، حتى الآن، عن إبعاد أحد خشية إثارة الجالية المسلمة، أو تحت ذرائع قانونية. وهذا التردد والخوف هو ما جعل عبد المطلب يتحول في بريطانيا، لا في بلده نيجيريا، من ابن وديع إلى مقاتل لـ«القاعدة». على أراضيها التقى دعاة ووعاظا أدخلوه في أنفاق الإيمان بالعنف، والرغبة في الجهاد من أجلهم. وهناك آخرون سينتهي بهم الأمر على متن طائرات، أو في أنفاق قطارات، أو يقودون سيارات مفخخة بالمتفجرات.

وليس صحيحا أن الجالية المسلمة تحتج أو ترفض إبعاد المتطرفين أو منعهم من دخول البلاد، بل سيكونون أكثر تأييدا لتنظيف مناطقهم من مرض التطرف والمتطرفين. وهناك العديد من طلاب الدراسة والعمل من المسلمين المعتدلين الذين لا يحصلون على تأشيرات دخول. هؤلاء أجدر من المتطرفين بأن يمنحوا هذه الفرص.

وقد لا يمنع إبعاد الخطيب الشاب السعدني، من مساجد باريس وطرده إلى الخارج، من خطر التطرف، إلا أن الإبعاد خطوة أولى، ورسالة واضحة لعشرات الغلاة الذين يريدون التمتع بحرية التعبير في الغرب للتحريض على العنف. والطريق طويلة أمام المسلمين المعتدلين من أجل الحؤول بين الفئة المتطرفة والمساجد وحلقات الذكر والمدارس التي تسعى للسيطرة عليها، ولن يستطيعوا مواجهة المتطرفين دون عون الحكومات بتشريع قوانين تحدد الفارق بين حرية التعبير وحرية التحريض وتعاقب عليه.

حادثة الطائرة، التي لم تتفجر، أعادت إيقاظ الجانب الأميركي. اكتشف أن «القاعدة» لا تزال تستهدفه، وهي قادرة على الوصول إليه في أماكن صعبة، طائرة أميركية فوق سماء ديترويت، ومعسكر في باكستان، وانتشار في جبال في اليمن. لم تعد تكتفي باستهداف سوق في بغداد أو مسجد في كراتشي. و«القاعدة» لا تزال تطور أساليبها، وتصل إلى الشباب وتجندهم لتنفيذ عمليات معقدة وصعبة، بأفراد وأماكن لا تخطر على بال، مثل نيجيري يدرس في أوروبا.

ويبدو غريبا أن أسمع أحد المسؤولين العرب يشتكي من أن أكثر الممنوعات الفكرية صارت تصلهم من مواقع إلكترونية، ومنشورات، أُعدّت في الغرب لا في مدن إسلامية. سألته لماذا لايرفعون شكواهم، قال: «فعلنا، لكنهم هناك يعتقدون أن لنا هدفا آخر، يعتقدون أننا نريد إلباس الخصوم السياسيين تهمة الانتماء إلى تنظيمات إرهابية متطرفة». الفوارق جلية بين المعارضة السياسية والانخراط في الحرب المتطرفة.

الهدف الأساسي ليس اصطياد بضعة إرهابيين بل تجفيف بحيرة الفكر المتطرف التي هي سبب استمرار المشكلة حتى اليوم.

[email protected]