الرئيس أوباما.. دفاعا عن ليو شياو بو

TT

أصدرت المحاكم الصينية خلال الأسبوع الماضي حكما بحبس الإصلاحي المعتدل ليو شياو بو لمدة أحد عشر عاما، لتنظيمه حملة لتوقيع «الميثاق 08»، الذي يدعو إلى الإصلاح السياسي، وتطبيق حقوق الإنسان التي تطبق في معظم أنحاء العالم.

ويعد مثل ذلك الحكم رسالة واضحة لكل الذين كانوا يسعون لوضع قيود على القوة الجامحة للصين الجديدة، التي أصبحت تجلس بغطرسة على طاولة الحوكمة العالمية: إذا ما صنعت الكثير من الجلبة حول إطلاق سراح ليو، فسننزل بك عقابا أشد، حتى تعلم أننا لا نعبأ برأيك، وأننا لسنا مضطرين إلى ذلك.

وبصراحة، نحن - الصينيين - معتادون على ذلك التعالي السلطوي، فخلال عصور ماو تسي تونغ ودينغ شيوبنغ، عندما كنت أقضي عقوبة السجن لمدة 15 عاما لارتكابي «الجريمة الوحشية» بتعليق ملصق على أحد الجدران، كانت الحكومة الصينية تنظر إلى الرأي العام الدولي بنفس النظرة الحالية. فإذا ما رأى الشعب الصيني كيف تمكنت الحكومة ببساطة من إزالة شكوك الأجانب النافذين، فإن قادة الحزب الشيوعي يعتقدون أن الشعب الصيني لن يصبح أمامه سوى الإذعان للسلطة المفرطة للحكومة.

ولكن حدثت بعض التغيرات خلال فترة حكم جيانغ زيمين، ففي إطار جهوده لتقليل الضغط الدولي، وتطوير الاقتصاد في ظل شروط تجارية أفضل مع الولايات المتحدة، قدم النظام الصيني بعض التنازلات. فمن بين عدة إجراءات أخرى، تم إطلاق سراحي من السجن، وترحيلي إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما تسبب في إثارة انتقادات حادة في دوائر المتشددين في الحزب، على الرغم من أن العجز الضخم في الميزان التجاري الأميركي هو ما كان يعزز النمو المتسارع للصين على مدار السنين.

وفي الوقت الراهن، ونظرا لأن زعماء الصين يعتقدون أن دولتهم المزدهرة قد أصبحت لاعبا أساسيا في تاريخ العالم، خصوصا في ظل الضعف الذي أصاب الصورة الأميركية في أعقاب حرب العراق والأزمة المالية الأخيرة، يسعى المتشددون لإحكام قبضتهم مرة أخرى.

ولا شك أن جانبا من غطرسة هؤلاء الزعماء يرجع إلى تعاظم دور الصين، باعتبارها أكبر دائني أميركا. وبالطبع فإن ذلك هو أحد الأسباب التي تجعل الرئيس الصيني مستعدا لإهانة الرئيس باراك أوباما. وقد فعل ذلك بالفعل خلال زيارته للصين، عندما منع التغطية الإخبارية الواسعة لخطابه، وعندما أرسل مسؤولين أقل منه مستوى للتفاوض معه في مباحثات قمة المناخ بكوبنهاغن، حتى انضم إليه رئيس الوزراء ون جيا باو في اللحظة الأخيرة.

ولم تكن الإهانة الموجهة إلى أوباما شخصية، فقد كانت مجرد إشارة إلى الموقع الذي باتت الصين تحتله على الساحة العالمية. ولكن الأهم من ذلك - كما في فترة ماو ودينغ - أن الارتقاء إلى مستوى القوى العظمى يحد من قدرة المعارضة الداخلية المتنامية، ويروع المعارضين الصينيين، ويلقي بهم في حالة من التبعية للقيادة الدكتاتورية للحزب الواحد، وهو ما يمثل أمرا شائكا هناك، لأن السماح بمساحة أكبر من الحرية سوف يكشف عن مشكلات الصين الاقتصادية الداخلية.

ولا يتعلق رد الرئيس أوباما على ذلك التحدي بكرامته أو موقفه الشخصيين، بل يتعلق بالدفاع عن منظومة القيم الديمقراطية للغرب في مواجهة تحدي القيادة الآيديولوجية في القرن الحادي والعشرين.

كما أن قضية ليو شياو بو تمثل فرصة للرئيس أوباما للوقوف في وجه غطرسة المتشددين المزعجة. وعلى الرغم من أن قضية ليو تمت إحالتها إلى محكمة أعلى، فإن الولايات المتحدة، وباقي أنحاء الغرب، يجب عليهم الإصرار على إلغاء الحكم الصادر ضده، حيث إن مثل ذلك الموقف القوي سوف يضعف المتشددين، ويعزز أصوات الإصلاح السلمي داخل الصين. وإذا لم تمارس الولايات المتحدة ضغوطا فسوف يمارس المتشددون ضغوطا لها عواقب سلبية على نطاق واسع من القضايا، بدءا من التجارة ووصولا إلى تقييم العملات، والأمن العالمي، والتغير المناخي.

قد تدين الولايات المتحدة بقدر كبير من الدَّين إلى الصين، ولكنها تدين بدَين أكبر إلى مبادئها التي تأسست عليها، من الحرية وحقوق الإنسان. وإذا ما كان الغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة، غير قادر على موازنة قوة الصين الجديدة في النظام العالمي، فمن الذي يستطيع إذن؟

* وي جنغشينغ هو أحد النشطاء الصينيين في مجال حقوق الإنسان، قضى 15 عاما في السجن حتى تم ترحيله إلى الولايات المتحدة، وهو الحائز على جائزة روبرت كيندي لحقوق الإنسان، وجائزة أولف بالم كذلك.

* المنشق الصيني

* خدمات «تريبيون ميديا»، شبكة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»