«مجاهدين خلق» بريئون من دماء العراقيين

TT

نشرت «الشرق الأوسط» في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي مقالا بعنوان: «حفاظا على سيادة وأمن العراق»، كتبه جواد الدوركي السفير العراقي في بروكسل، وردا على الكاتب أود أن أقول: إن المقال لا يبدو أن يكون مكتوبا من قبل سفير دولة. وفي الوقت الذي قام فيه أبناء الشعب العراقي في أرجاء البلاد بمظاهرات ضد احتلال بئر نفط عراقي من قبل النظام الإيراني، وفي الوقت الذي انكشفت فيه وثائق تشير إلى احتمال ضلوع النظام الإيراني في التفجيرات الإجرامية في العراق ومحاولة الحكومة العراقية لإخفاء تلك الحقائق، وفي الظروف التي تم فيها فضح عدد من المسؤولين العراقيين لتبعيتهم للنظام الإيراني، يكيل السيد دوركي شتائم ضد منظمة مجاهدين خلق، وجاء بمغالطات ضد المنظمة الرئيسية في المعارضة الإيرانية. وذلك في محاولة يائسة لتغطية فضيحة الحكومة العراقية أمام العالم في المجزرة التي ارتكبتها بأمر من حكام إيران ضد سكان معسكر «أشرف» بهدف تمهيد الأرضية لارتكاب مزيد من الجرائم.

إنه كرر التهم المستهلكة من قبل وزارة مخابرات إيران حول مشاركة «مجاهدين خلق» في قمع العراقيين وقتلهم عربا وكردا. وربما إذا قرأ الشهادة التي أدلى بها مسؤوله المباشر (أي وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري) لدى محكمة في هولندا عام 1999 لكان يشعر بالتردد المخجل في تكرار هذا الاتهام، حيث أكد السيد زيباري في شهادته: «إننا نستطيع أن نؤكد بأن المجاهدين لم يشاركوا في قمع الشعب الكردي، لا خلال الانتفاضة ولا بعدها. إننا لم نحصل أبدا على أي مؤشر يدل على أن المجاهدين يكنون أدنى عداء للشعب في كردستان العراق. لـ(مجاهدين خلق) مشروعها الخاص في إيران، وإن أعضاءها لا يتدخلون في شؤون العراق الداخلية».

وأكد السيد إياد جمال الدين، رجل دين شيعي بارز وعضو في البرلمان العراقي، في حديث مع قناة «العربية» بتاريخ 26 يناير (كانون الثاني) الماضي هذه الحقيقة قائلا: «أنا شخصيا تابعت الكثير من ملفات المخابرات (جهاز المخابرات السابق) والأجهزة الأمنية الخاصة، لعلي أعثر على ورقة أو صورة أو أي دليل يشير إلى اشتراك هذه المنظمة، ولم نحصل على أي ورقة أو دليل أو وثيقة تشير إلى أن (مجاهدين خلق) اشتركوا في قمع الشعب العراقي.. فليس هنالك أي دليل - ولو مزوّر - على اشتراكهم».

وبغض النظر عن هذه المجادلات فإنه من الأجدر بالحكومة العراقية أن تلبي مطلب المقاومة الإيرانية وإصرارها، وكذلك مطلب اللجنة الدولية لحقوقيين في الدفاع عن «أشرف» التي تشمل 8500 حقوقي ومحام في أوروبا والولايات المتحدة، إضافة إلى مطلب لجنة البحث عن العدالة المتكونة من 2000 برلماني في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لتحضر (الحكومة العراقية) إلى محكمة دولية وتسلم وثائق تلك التهم إلى لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، وأن لا تتردد في مواجهة «مجاهدين خلق» في المحكمة.

وقد شبه كاتب المقال معسكر «أشرف» بجحيم يتم فيه إبقاء الأفراد لترهيبهم، ولكنني أتساءل: بدلا من نشر هذه المغالطات، أليس الأجدر له أن يوضح لماذا تمنع الحكومة، التي يتبعها منذ عام، دخول الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان وحتى ذوي سكان «أشرف» إلى المعسكر؟ لذا نرجو السماح بدخول هؤلاء الأشخاص إلى «أشرف» كما كان الحال خلال السنوات الست الماضية ليشاهدوا الجحيم المزعوم ويفضحوه. ولكن النظام الإيراني وعملاءه يعرفون جيدا أن أكاذيبهم ستذوب فورا أمام شمس «أشرف» المشرقة، ولهذا فإنهم فرضوا حصارا غير إنساني على «أشرف»، واهمين كسر إرادة سكانها.

في الحقيقة، جميع سكان «أشرف» هم أشخاص محميون بواسطة اتفاقية جنيف الرابعة، وإن جرائم الحكومة العراقية ضد هؤلاء الأفراد تدخل ضمن إطار جرائم ضد الإنسانية. وقد فتحت محكمة في إسبانيا حاليا تحقيقا عن المسؤولين العراقيين من أجل محاكمتهم لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في اقتحام «أشرف» يومي 28 و29 يوليو (تموز) الماضي.

وقد أعلن سكان «أشرف» فردا فردا خلال السنوات الماضية في أثناء مقابلات خاصة أجريت معهم من قبل القوات الأميركية، مرة في كل عام، بأن خيارهم البقاء في «أشرف»، ومن كان يرغب في المغادرة، فقد غادر المعسكر فعلا. كما أجرت الحكومة العراقية مقابلات انفرادية عام 2009 مع سكان «أشرف» فردا فردا أيضا خارج المعسكر وشجعتهم على المغادرة، فغادر 11 شخصا فقط من أصل 3418. وفي المرة الأخيرة قبل نحو ثلاثة أسابيع، أي في 15 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شهد العالم عندما ذهبت السلطات العراقية إلى «أشرف» برفقة عشرات من الصحافيين على متن 37 سيارة، منها عدد من الحافلات الصغيرة (ميني باص) لنقل من يرغب مغادرة «أشرف»، وإنهم كانوا يشجعون الراغبين في المغادرة بأنهم يوفرون لهم الإقامة في فنادق فخمة في بغداد قبل تسفيرهم إلى أوروبا. وعادت الحافلات فارغة، حيث لم يغادر أحد من سكان «أشرف» المعسكر.

ويتهم السيد دوركي «مجاهدين خلق» المحاصرين في معسكر «أشرف» الذين تم منعهم من أي تحرك بالتدخل في شؤون العراق، وأنه لا يرى ضرورة لتقديم أي أدلة لمقولته سوى التهم المختلقة من قبل وزارة مخابرات إيران. وإذا كان يقصد حقا فضح تدخلات النظام الإيراني في شؤون العراق الداخلية وعملائه في البلاد، فمن الأجدر أن يخبرنا السيد دوركي بأنه سفير لأي دولة، هل هو سفير النظام الإيراني أم سفير جمهورية العراق؟ وإذا كان سفيرا للعراق فمن الأجدر أن يقول شيئا بشأن آبار فكة، وعن وجود 32 ألفا من عناصر قوات القدس في العراق، فضلا عن عناصر الحرس الذين يحتلون مناصب مهمة في الأجهزة الأمنية والتنفيذية والسياسية في العراق، حسب بعض وسائل الإعلام.

وما أراد السيد السفير إخفاءه هو سطوة النظام الإيراني على العراق، ففي 28 فبراير (شباط) الماضي طالب خامنئي من حكومة نوري المالكي بتنفيذ الاتفاق الثنائي الخاص بطرد «مجاهدين خلق» من العراق، وأعلن بعد ذلك موفق الربيعي مستشار الأمن القومي في حينه في 23 يوليو في حديثه مع قناة الفرات أن «هذا الملف سوف يغلق قريبا... والحل الوحيد هو أن تقوم القوات المسلحة العراقية بالسيطرة على معسكر (أشرف) وإدارته». كما أكد في مطلع نيسان الماضي بالقناة نفسها: «.. ولكن بشكل تدريجي: القوات الأمنية العراقية تدخل المعسكر.. تعمل سيطرات.. تعمل دوريات.. تعمل تفتيش.. تعمل مداهمات».

بعد ذلك شهد العالم الاقتحام الوحشي للقوات العراقية على معسكر «أشرف» يومي 28 و29 يوليو الماضي بهدف فرض «السيادة»، والذي أسفر عن استشهاد 11 وجرح 500 من إخوتنا وخطف 36 آخرين كرهائن تم الإفراج عنهم بعد 72 يوما من الإضراب عن الطعام، وبعد أن كانوا على وشك الهلاك، وعقب ضغوطات كبيرة من قبل الهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان والبرلمانيين الأوروبيين والأميركيين، وقبل هؤلاء أيضا ضغوطات من قبل البرلمانيين والشخصيات الوطنية والعشائرية في العراق. بعد أن كان لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني قد طالب في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مؤتمر صحافي ببغداد، وبدوره كاظمي قمي من قادة قوات القدس وسفير النظام الإيراني في العراق في 13 نوفمبر الماضي، قد طالبا العراق بتسليم «مجاهدين خلق».

* مكتب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية - لندن