مطلوب تخلٍّ فلسطيني عن مبدأ تبادل الأراضي

TT

كان الأسبوع الماضي حافلا باللقاءات العربية، وهذه ظاهرة إيجابية يتمناها كثيرون، بعد مرحلة من البعاد والافتراق والاختلاف العربي المعلن. وصف سعود الفيصل جو تلك اللقاءات بعد زيارته إلى دمشق فقال: «اتفقنا على ضرورة لمّ الصف العربي، والوقوف لنيل مصالحنا، ولن يمكّننا من ذلك سوى عملنا»، وهو قول يعبّر عن سياسة نأمل أن تبقى سائدة ومتصلة.

عنوان النشاط العربي كان موضوع التسوية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو بدأ بلقاء بين الرئيس حسني مبارك ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، انطلقت بعده تصريحات وتسريبات متفائلة عن موقف إسرائيلي جديد من شأنه أن يسهل عملية التفاوض والتسوية، حتى إن الحديث جرى عن مؤتمر مصري للسلام، وبرعاية أميركية، ثم تنطلق بعده العملية بنجاح. بينما كان هذا التفاؤل يواجه بتصريحات إسرائيلية تعيد التشاؤم إلى قلب أشد المتفائلين، وتركزت تلك التصريحات حول: مفاوضات من دون شروط مسبقة، مع مواصلة للاستيطان على الأرض، وتأكيد أن القدس ليست مشمولة بالمفاوضات.

وحتى لا ندخل في كثير من التفاصيل، نفضل أن نتوقف عند عدد من القضايا المفصلية، أبرزها:

أولا: إن الترويج للمفاوضات يجري على قاعدة أن الولايات المتحدة الأميركية ستقدم رسالة ضمانات إلى الجانب الفلسطيني تؤكد تأييد الولايات المتحدة لمطالب فلسطينية أساسية. وهذا ليس موضوعا جديدا، وهو أيضا ليس أسلوبا جديدا في التطمين. ففي العام 1991 عام مؤتمر مدريد، قدمت الولايات المتحدة الأميركية ورقتَي ضمان لكل من إسرائيل والفلسطينيين، لم يكن لهما أي تأثير على مجرى المفاوضات، ولا على الخلافات التي نشأت، ولذلك فإن تكرار التجربة استنادا إلى القاعدة نفسها، لن يكون أمرا مجديا.

ثانيا: تستند فكرة العودة إلى التفاوض إلى ما وصفه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بأنه «حزمة مقترحات يمكن أن تشكل أساسا جيدا للتفاوض مع الفلسطينيين، حتى لا تدخل عملية السلام إلى النفق المظلم مرة أخرى». وقد قامت صحيفة «الجمهورية» المصرية بنشر تقرير فصل المقترحات الإسرائيلية كما يلي:

1- رفع الحواجز الإسرائيلية.

2- اعتراف إسرائيل بحدود 1967.

3- إعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

وهذه البنود الإسرائيلية الثلاثة هي كذبة كبرى، وأخطرها ما يتعلق بالحدود والقدس. في موضوع الحدود لا تزال إسرائيل تعمل على تكريس فكرة الاستيطان واقتسام الضفة الغربية. واللعبة المكشوفة التي تتم ممارستها الآن تقوم على لعبة لغوية لا غير، تقول إسرائيل في هذه اللعبة إنها تعترف بحدود 1967 حدودا للدولة الفلسطينية التي ستنشأ، ثم يتم الانتقال بعد ذلك بلحظة واحدة إلى البحث في موضوع تبادل الأراضي. وتبادل الأراضي يعني أمرين: تكريس بقاء المستوطنات والمستوطنين، وفي الإطار الذي يحافظ على المستوطنات الكبرى التي تستوعب 80% من المستوطنين. والأمر الثاني أن أغلب هذه المستوطنات الضخمة يحيط بمنطقة القدس، وتصبح القدس بالتالي مدينة مسيطَرا عليها إسرائيليا. أما الحديث الذي يجري عن «القدس الشرقية» عاصمة لدولة فلسطين، فهو إسرائيليا كلام لا معنى له، لأنه يعني القرى المحيطة بالقدس، ولا يعني القدس نفسها. واقتراح القرى هذا كعاصمة للدولة الفلسطينية، قائم منذ أيام إسحق رابين ورفضه الفلسطينيون دائما.

وحين يُطرح الموضوع على أساس هذين البندين: أي اعتراف إسرائيلي بحدود 1967، وتبادل أراضٍ، فإن البند الثاني ينفي البند الأول. فعندما يتم الاتفاق على تبادل الأراضي، سيتم رسم خط الحدود، وهو سيكون خطا جديدا لا علاقة له بخط حدود 1967.

وتجري هنا أيضا لعبتان مضحكتان: الأولى محاولة التقليل من أهمية موضوع تبادل الأراضي، بالحديث عن «نسب» للتبادل بين 1 و3%. ولعبة النسب هذه لعبة خطيرة، فالأرقام صغيرة، ولكن حين توضع على الخرائط يتضح مدى اتساعها ومدى خطورتها. يكفي أن نسأل للتوضيح: ماذا تشكل مدينة الخرطوم مثلا، ربما لا تشكل واحدا في المائة أو نصفا في المائة من مساحة السودان، ولكن هل يبرر هذا الرقم الصغير التنازل عنها في أي ظرف من الظروف؟ ونسأل أيضا ماذا تشكل مساحة القاهرة بالنسبة إلى مساحة مصر؟ وسنجد الجواب نفسه. مع توضيح آخر لا بد منه وهو أن إسرائيل «أولمرت» تطلب تبادل أراضٍ بنسبة 6%، إضافة إلى ما تريد ضمه أو استئجاره أو استعماله كقواعد عسكرية، وتكون النتيجة أنها تريد الاستيلاء على 40% من أراضي الضفة الغربية. أما اللعبة المضحكة الثانية فهي أن إسرائيل ستعطي في التبادل أرضا توازي مساحتها الأرض التي ستأخذها، ولكن أين؟ في صحراء النقب. وهكذا فإنها تستولي على القدس، وما يسمى القدس الكبرى، وعلى المستوطنات الكبرى المحيطة بالقدس، وهو ما يشكل قلب الضفة الغربية، وقلب فلسطين كلها، والعاصمة المقدسة لدى المسلمين كلهم، ثم تتغطى بكلمة منح أراضٍ موازية في المساحة لما ستستولي عليه.

وهنا تنشأ نتيجتان خطيرتان للغاية:

النتيجة الأولى: أنه لا بد من التوقف عند نظرية تبادل الأراضي، وشطبها من قاموس المفاوضات الجديدة، فتبادل الأراضي هو أسوأ صيغة للمساس بالأرض الفلسطينية، وقبول الاستيلاء الإسرائيلي عليها.

النتيجة الثانية: أن القبول بتبادل الأراضي هو تكريس للاستيطان الإسرائيلي القديم والجديد، وقد رفض نتنياهو مبدأ وقف الاستيطان، وسيرفض بالتالي مبدأ إزالة الاستيطان. وهناك موقف فلسطيني معلَن على لسان محمود عباس، يؤكد بإصرار وبشدة، أنه لن يعود إلى المفاوضات إلا إذا توقف الاستيطان الإسرائيلي، ولذلك فإن عودته إلى المفاوضات الآن، وبدعم عربي، لا تعني تنازل محمود عباس عن موقفه من الاستيطان فقط، بل تعني أيضا، وهذا هو الأخطر، أن استمرار الاستيطان يتم هذه المرة بموافقة عربية. وقد نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية ما مفاده أن محمود عباس «أظهر استعدادا لقبول الخطة المصرية، شريطة أن تحظى بموافقة زعماء الدول العربية». وهذا ما لا بد أن يدرسه العرب بدقة حتى لا يقدّموا لإسرائيل هبة مجانية في قضية من أخطر القضايا.

وهنا لا بد أن نذكر أن مبادرة السلام العربية، تتضمن في جوهرها، رفضا لكل الاستيطان الإسرائيلي الذي تم منذ العام 1967 في الضفة الغربية، وذلك حين وضعت الأمر بالشكل التالي: انسحاب إسرائيلي كامل يقابله تطبيع عربي. والانزلاق نحو صيغة جديدة من النوع المطروح، يعني تنازلا عن المبادرة العربية وإلغاء جوهرها، وهو أيضا أمر خطير للغاية.

لقد جرى كل هذا الحديث عن التسوية السياسية، بينما جرى في ظله حديث آخر عن المصالحة الفلسطينية. وربما دعيت حركة حماس لزيارة السعودية لهذا الغرض.

وما يمكن أن يقال هنا، هو أن المصالحة الفلسطينية أصبحت ضرورة ملحة من أجل مواجهة التعنت الإسرائيلي لا من أجل مجاراته. فإسرائيل تقوم بانتهاك حرمة الضفة الغربية يوميا، باعتقال عشرة أشخاص على الأقل، ومنذ ما يزيد على العام. وهناك من يؤكد أن هذه الاعتقالات هي جزء من عملية التعاون الأمني القائم بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وحول ذلك يقول أفرايم هاليفي رئيس الموساد السابق (5/1/2010): إن الوحدات التي يدربها الأميركيون، بموافقة إسرائيلية، تعمل أساسا كي تقمع المعارضة الحماسية في الضفة الغربية، ومن أجل ضمان حكم أبو مازن، وفي حال عدم وجود مثل هذا التعاون الأمني ستنهار السلطة.

واستنادا إلى هذا الموقف فإن الذهاب إلى مصالحة فلسطينية، يقتضي أولا إنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل، وإلغاء سلطة الجنرال دايتون داخل أجهزة الأمن الفلسطينية، وعندها ستتولى المصالحة بين فتح وحماس حماية الضفة الغربية من الانهيار، عكس ما تأمله إسرائيل تماما.