جعلوني إرهابياً!

TT

كيف يتكون الإرهابي؟ سؤال لا بد أنه دار في أذهاننا جميعا، ونحن نقرأ سير بعض الشباب الذين تحولوا في ظروف غامضة من أشخاص عاديين ومسالمين إلى عدوانيين إرهابيين. أعرف أن عوامل متعددة قد تجعل الإنسان إرهابيا، لكن أخطر هذه العوامل، وأهمها، وأكثرها شيوعا العامل الأسري، كأن ينشأ الإنسان في أسرة تتسم بالتشدد، وتفتقر للفهم الديني الصحيح، فتشحن أفرادها بطريقة مقصودة أو غير مقصودة ضد الآخرين، الذين تراهم - من وجهة نظرها الضيقة - لا يسيرون على نفس منهجها في التشدد، وضيق الأفق. ولو أجرينا دراسة لحالات بعض المتورطين في أعمال إرهابية لوجدنا أن التأثير الأسري حاضر ضمن منظومة الأسباب، حتى ولو حاولت بعض الأسر تشتيت انتباهنا بالحديث عن رفاق السوء. وعلى الجانب الآخر يمكن للأسر المهملة والمتسيبة أن تحدث نفس الخدوش في دواخل أفرادها، فتغدو رافدا من روافد الإرهاب، ومصدرا من مصادر صناعته.

وفي مقال بعنوان «فتش عن أسرة الإرهابي» توقف الكاتب بصحيفة «الاتحاد» الإماراتية أحمد أميري أمام الظروف الأسرية للنيجيري عمر الفاروق، الذي كان وراء محاولة التفجير الفاشلة للطائرة الأميركية، حيث أشار إلى أن عمر الفاروق هو الابن السادس عشر لوالده من زوجته الثانية اليمنية الأصل، وأنه ولد في أسرة مشغولة بالإنجاب، وتكديس الثروات، دفعت به إلى التغرب مبكرا، وبالتالي معاناة العزلة، والاضطرار إلى بث همومه عبر الإنترنت ليجد من يصنع منه إرهابيا مستعدا لقتل 300 مسافر لا ذنب لهم سوى أنهم على متن طائرة يستقلها ابن لأسرة مهملة. ولو صحت هذه المعلومات فإنها تكون حقا العامل الأكثر حسما في التحولات الخطيرة التي عاشها ذلك الشاب، فالإهمال الأسري لا يقل عن التشدد الأسري في آثاره التدميرية.

وفي عدد من اللقاءات التي تجرى مع بعض أسر المتورطين في أعمال إرهابية يمكنك أن تستشعر جهامة المناخ الأسري الذي عاش فيه أولئك الأفراد، والتي صبغت أفكارهم بالتطرف، وسلوكهم بالعنف، وما زلت أذكر لقاء تلفزيونيا مع والد أحد الإرهابيين في دولة عربية، وهو يستعطف الجهات المسؤولة تجاه ولده، مشيرا إلى أن ابنه عاش في بيئة منزلية نقية لم تدخلها القنوات التلفزيونية، ولا الإذاعات، ولا المجلات المصورة، وليس له أصدقاء، ولا معارف، وأنهى الأب بعد ذلك كلامه على نحو متناقض بأن «حمل رفاق السوء» مسؤولية ما حدث لابنه!

وتقتضي الأمانة القول: إنه ليس وراء كل إرهابي بالضرورة أسرة أسهمت في صناعته على هذا النحو، كما ليس بالضرورة أن تكون جميع الأسر بريئة مما حصل لأبنائها، فالواقع يشير إلى أن بعض هذه الأسر أسهمت - من حيث تدري أو لا تدري - في صناعة الكارثة.

[email protected]