الصحافة تتجمل

TT

تكاثرت حولنا الكاتبات والصحافيات، من دون أن ندرك، ولا تركن لنا أن نستدرك! لقد انتهى الأمر، واتخذن لأنفسهن مواقع وواقعا. ولا يحدث ذلك في مصر، بلد الرائدات مثل بنت الشاطئ، بل في السعودية والخليج، حيث لم تعد تخلو صحيفة من زاوية ذات توقيع أنثوي. وبالعكس، فقد تراجعت نسبيا في مصر الحركة الأدبية النسائية، وإلى حد بعيد في لبنان، حيث أسست النساء المجلات وعملن في الصحف منذ الثلاثينات.

دخلت المرأة هذا السياج الرجالي بهدوء ودون «كعب عال». ولم يكن غيابها عن الأدب والصحافة ظاهرة عربية. لقد تأخرت في كل مكان، وظلت أقلية عددية في كل البلاد. وأعني أميركا وبريطانيا وفرنسا. وطالبت المرأة الغربية بحقوقها في ضجيج واسع، لكنها لم تستخدم حقها في الكتابة والصحافة والأدب، إلا بنسبة ضئيلة حتى الآن. ولمعت المرأة العربية في الصحافة المرئية والإذاعية على نحو مثير، وأكاد أندفع في القول: على نحو مذهل.

يخطر لي، بالتحديد، تجربة «العربية» في هذا المجال. فالقسم الاقتصادي، الذي هو أرقام ومعادلات وحسابات وأعصاب وجفاف، تقوم به كله تقريبا، مجموعة الوجوه الجميلة والأصوات العذبة. وهناك طبعا نشرات الأخبار والبرامج السياسية والصحافية. وأحيانا يمضي النهار بأكمله دون أن تظهر صورة رجل على شاشة تعلقت الناس برصانتها ولياقتها وموضوعيتها، المخالفة لقانون الفضائيات وجاذبية الصراخ والتلاكم.

ولا أريد أن أغمط حق العاملات الأخريات في هذا الحقل الصعب والشديد التعقيد، كمثل ليلى الشيخلي في «الجزيرة» أو دولي غانم وشذى عمر في «إل بي سي» اللتين تديران معظم الحوارات السياسية. وأعتذر من كثيرات لا أعرفهن، لأن وقت المتابعة ضيق ومتقطع، وخصوصا من صحافيات القنوات المصرية، حيث لا شك بالكفاءة مرفقة بعذوبة الحضور ورقة اللهجة.

كل هذه الظاهرة الجمالية، بهذه النسبة، لا يزيد عمرها على عقد واحد. وفيما نشهد المشاركة النسائية في الشأن العام، كما عند بدرية البشر وسوزان المشهدي في السعودية وسوسن الشاعر في البحرين وفاطمة العلي في الكويت، رأينا الصحافيات يأخذن مكان الرجل في جبهات القتال وأماكن الخطر كما فعلت ريما مكتبي خلال تغطية حرب مخيم نهر البارد في طرابلس.

لا يكتمل الكلام عن حضور المرأة في دنيا الصحافة إلا بالإشارة إلى أن أقدم دارين صحافيتين في لبنان، أصبحتا، في إدارة وريثتين: «النهار» التي آلت إلى نايلة تويني، حفيدة عملاق الصحافة اللبنانية، وإلهام فريحة، كريمة العملاق الآخر، سعيد فريحة، التي تسلمت شؤون «دار الصياد» منذ بداية الحرب، وأبحرت بمهارة في عباب السياسة اللبنانية، من جهة وعباب ومشكلات الصحافة من جهة أخرى.