باحبهما

TT

أقامت الجامعة العربية في مقرها حفل تكريم للدكتور كلوفيس مقصود بطريقة لم تعرف من قبل: أصغت إليه، على مدى يومين، في ندوات ومحاضرات وخلال مآدب الغداء والعشاء. كان العنوان، أو الذريعة، بلوغ مقصود الثانية والثمانين، لكن الجامعة أرادت أيضا أن تتذكر ذلك العصر الذهبي الذي كان مقصود سفيرها لدى الهند، ثم في واشنطن ولدى الأمم المتحدة معا. في الهند، كانت مصادقات السفير على مستوى نهرو وكريشنا مينون، وزير دفاعه، ثم رئيس الوزراء شاستري وبعض أنديرا غاندي. وفي واشنطن، التقيت في منزله، السيناتور وليم فولبرايت وهنري كيسنغر ومرشح الرئاسة جورج ماكغفرن.

جعل كلوفيس الدبلوماسية العربية حركة دائمة. وأعتقد أنه ليس من سفير أو دبلوماسي أو ناشط عربي تنقل في ولايات أميركا ومدن كندا وقاعات وجامعات البلدين، كما فعل.

وإذا كانت الصداقة الشخصية مع رجل عرفته منذ أوائل الستينات، متعة الرفاقية والود الخالص ودفء القلب واللسان، كان الإصغاء إليه محاضرا أو متحدثا أو خطيبا، بهجة الاعتزاز. فقد قدم للقضية وللعروبة وللعرب، اللغة المقنعة والخطاب الجاذب. وذات مرة كان يترجل من الطائرة في ديترويت عندما تقدم منه أميركي وقال: اسمع، لقد نسيت اسمك الآن، وأريد أن أقول لك إنني لا أحب إطلاقا ما تقوله عن إسرائيل، لكن يعلم الله كم أنا معجب بالطريقة التي تقوله بها.

عاش مقصود فترة من حياته في مصر، سفيرا لدى الجامعة وكاتبا رئيسيا في «الأهرام». ثم جاءنا إلى «النهار» كاتبا، فيما كان في الوقت نفسه من كبار مستشاري ياسر عرفات السياسيين. وقد كانت القضية الفلسطينية أقرب إلى قلبه من كثيرين، وكانت واضحة في عقله وفكره السياسي وأخلاقياته القومية.

وفي الأمم المتحدة تعرف إلى سفير مصر عمرو موسى. وكان الشبه كبيرا. ولم أستغرب أن يكرم «باحب عمرو موسى» «باحب كلوفيس مقصود». وحضر التكريم الدكتور بطرس غالي والأخضر الإبراهيمي وجميع من كانوا، ذات مرحلة، علامة العمل العربي في قلب الدبلوماسية الدولية.