استمرار إغداق الأموال على أدوات أمنية مشكوك فيها

TT

جميعكم يسافر بشكل متكرر، وتعرفون التعليمات جيدا. اخلعوا نعالكم، لأن ريتشارد ريد «مفجر الأحذية» كان يخبئ المتفجرات في حذائه، لا تضعوا الجِلّ الخاص بشعركم في حقيبة الظهر؛ لأن المفجرين الذين استهدفوا مطار هيثرو استخدموا فوق أكسيد الهيدروجين السائل، وعندما تستقلون أي طائرة يجب عليكم، من الآن فصاعدا، الاستعداد لرفع أي بطانية من فوق أرجلكم قبل الهبوط - سيكون الأمر سيئا للغاية إذا كنت نائما - نظرا لمحاولة النيجيري تفجير نفسه من خلال المتفجرات المخبأة في ملابسه الداخلية.

وإذا ما ابتكر أحدهم طريقة جديدة لإخفاء المساحيق المتفجرة داخل علبة فرشاة الأسنان، فتوقع أن يتم إصدار تعليمات بأن لا يحمل المسافرون فرشاة أسنانهم، وعلى الرغم من ذلك يجب عليك نثر قليل من الملح فوق كتفك الأيسر في أثناء صعودك إلى الطائرة، ولا تتخيل في أي لحظة من اللحظات أن هذه التعليمات التافهة لأمن المطارات ستضمن لك الأمان بالفعل، حيث لا يعرف أحد ما إذا كانت أي هذه الإجراءات ضرورية بالفعل.

والأسوأ من ذلك أنه لا يوجد من لديه الحافز السياسي أو المالي لمعرفة ذلك، وفي الواقع إنه منذ الإنشاء السريع والمسيس، إلى حد كبير، لوزارة الأمن الوطني والهيئة الصغرى التابعة لها، إدارة أمن وسائل النقل، لم تخضع أولوياتهما أو أنماط الإنفاق الخاصة بهما إلى تدقيق جاد، بل إن مموليهم في الكونغرس كانوا يشجعونهما على إنفاق الأموال على الأعمال الموجهة للتعامل مع جميع التهديدات الجديدة المحتملة، سواء كانت حقيقية أو غير ذلك.

وعليه، سيجري الإسراع الآن في استخدام أجهزة المسح الضوئي التي تتفحص الجسد بالكامل، والتي لم تكن مسموحا بها حتى الصيف الماضي، وخلال سنوات قليلة، وفي ظل إدارة جمهورية وكونغرس يسيطر عليه الجمهوريون، ستتحول هذه المؤسسات إلى بيروقراطيات كبيرة الحجم، يصعب السيطرة عليها، ليس لمعظم أنشطتها إلا علاقة طفيفة بأمن الجمهور وسلامته.

لقد أصبح من المألوف للغاية تكرار القوائم القديمة والمألوفة للمشروعات العامة المثيرة للسخرية، حتى إن القراء الذين لا يستطيعون تحمل قراءة هذه القائمة المملة مرة أخرى قد يريدون الانتقال إلى الفقرة التالية، وبالنسبة للمؤيدين فإن ذلك حقيقي، حيث يبلغ عدد العاملين في إدارة أمن وسائل النقل حاليا 60 ألف موظف، بعد أن بدأت بنحو 13 موظفا فقط في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2002، وقد اكتشفت الإدارة خلال عمليات التوسع أن لديها المال اللازم للحصول على كافة أنواع الكماليات، وكما كتبت في مقال عام 2005، جرى إنفاق نحو 350 ألف دولار من ميزانية المنظمة التي تبلغ 6 مليارات دولار على صالة الألعاب الرياضية، و500 ألف دولار على الأعمال الفنية ونباتات الزينة المخملية، بالإضافة إلى ملايين الدولارات سنويا في التعيينات غير الضرورية، حيث إن الحكومة الفيدرالية لم تكن بارعة قط في تحديد التوقيت الذي تحتاج فيه إلى نشر صفوف أمنية طويلة بأحد المطارات.

أما عن وزارة الأمن الوطني فبلغت ميزانيتها لعام 2010 نحو 55 مليار دولار، سيجري إنفاق بعضها، بحسب الخبير الاقتصادي فيرونيك دو روجي في كتاباته عام 2006، على أشياء مثل وحدة إزالة التلوث في المناطق الريفية بواشنطن، والتي تكلفت 63 ألف دولار، والتي لم يجرِ تدريب أي فرد على استخدامها، وتزويد غراند فوركس بنيفادا بالمزيد من البزات البيوكيميائية التي يتجاوز عددها عدد ضباط الشرطة الموجودين في المدينة لارتدائها، إضافة إلى 557400 دولار لشراء أجهزة إنقاذ واتصالات لمدينة نورث بول بولاية ألاسكا التي يبلغ عدد سكانها 1500 نسمة فقط، ناهيك عن الأموال التي تنفق على «احتياجات» الناخبين في دوائر بعض أعضاء الكونغرس ذوي الأهمية الخاصة.

وفي الواقع، لا يقع اللوم في مثل تلك القرارات على العاملين بوزارة الأمن الوطني أو إدارة أمن وسائل النقل، فمنذ البداية، كان الخبراء الأمنيون، بل حتى كبار المفتشين بتلك الوكالات يشيرون إلى عبث أنماط الإنفاق في إدارة أمن وسائل النقل ووزارة الأمن الوطني، والتي يرجع الكثير منها إلى قصة الرعب الأخيرة (أتمنى لو كنت موجودا في حفلة رأس السنة التي أقامتها بلا شك الشركات المصنعة لأجهزة المسح الضوئي التي تتفحص الجسد بالكامل).

ومنذ البداية أيضا، كان الكونغرس يرد على المنتقدين من خلال تخصيص المزيد من الأموال لتمويل المشروعات المحلية غير الضرورية، ومن خلال رد الفعل على الأخبار المثيرة، بالإضافة إلى أنه ينفق الأموال بالطرق التي تناسب أعضاءه ثم يعلن بعدها أنه يشعر بـ«الصدمة!» لأنه اكتشف أن جهاز الأمن الوطني الخاص بنا، والذي تبلغ ميزانيته مليارات الدولارات، غير قادر على منع مواطن نيجيري، ظهر عليه الاضطراب بوضوح، من الصعود إلى الطائرة المتجهة إلى ديترويت.

تخيل لو أن الميزانية الضخمة لإدارة أمن وسائل النقل تم تخصيصها لإنشاء شبكة كومبيوتر متطورة، كان من الممكن أن يعلم عبرها ضباط الأمن في أمستردام، على الفور، بالتحذير الذي أطلقه والد الشاب النيجيري، الذي حاول تفجير طائرة متجهة إلى ديترويت. تخيل أننا بدلا من الاعتماد على أجهزة المسح الضوئي التي تعمل بالأشعة السينية والتي تتفحص كامل الجسد، وبدلا من تجريد المسافرين من البطاطين في الرحلات الجوية الطويلة، قمنا بتدريب موظفينا في القنصليات في أماكن مثل نيجيريا ودفعنا إليهم رواتب عالية.

وعلى الرغم من أن الأمن لن يصبح مثاليا بعد ذلك أيضا، وعلى الرغم من عدم تأكدي من أن الإرهاب على الطائرات هو أسوأ ما يهددنا، فإنه يبدو منطقيا بالنسبة لي أن يكون لدينا نظام أصغر وأقل تكلفة وأقل إهدارا للأموال، ويبدو منطقيا أن يكون لدينا نظام له أولويات حقيقية، ويواجه مخاطر حقيقية أيضا، بدلا من التعامل مع القصص الإخبارية التي تبثها وكالات الأنباء، كما أنه من المنطقي أن نستعد للمعركة القادمة بدلا من تحليل المعركة الماضية، ولكن على أي حال فإن «المنطقي» ليس هو المعيار الأساسي لإنفاق الأموال العامة في هذا البلد، ولم يكن كذلك منذ فترة طويلة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»