اقتلهم جميعا!

TT

رصاص أحمق غادر أودى بحياة ستة أقباط وحارس الكنيسة المسلم في حادثة بشعة في صعيد مصر، وتحديدا في نجع حمادي ليلة احتفال الأقباط بميلاد السيد المسيح عليه السلام، وبرر المجرمون فعلتهم بأنها انتقام لجريمة اغتصاب طفلة مسلمة يبلغ عمرها اثني عشر عاما من قبل رجل مسيحي.

عقوبة جماعية سقط ضحايا أبرياء نتاجها، فعل لا يقبله ضمير ولا أخلاق ولا عقل ولا دين ولا منطق، ولكنه جنون العقوبة الجماعية في أبشع صوره.

حادثة إرهابية حمقاء وإجرامية ترتكب في نيويورك من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي فتعلن الحرب على العراق، ويتم غزوها، ويسقط عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء ولا يزالون. عمل من أعمال المقاومة ضد الجيش الإسرائيلي المحتل فيكون الجواب قصفا عشوائيا وتدميرا وقتلا بلا هوادة تحصد فيه أرواح النساء والشيوخ والأطفال، وتهدم المباني وتدمر المدن بلا رادع ولا أي عقاب للجاني.

الجنون يولد جنونا، ولكل فعل رد فعل أشد وأكثر شراسة. «العقاب الجماعي» هو حالة مجنونة يعيشها العالم اليوم سواء أكان باسم الفرد الذي يقرر وحده الانتقام من «أي أحد» أو من جماعات وتنظيمات تكفر وتخرج من الملة وتقرر أخذ الأمور بأيديها لتطبق فعليا ما تراه عدلا وقانونا، ولا يقتصر هذا الجنون على تلك النماذج فقط، ولكنه يشمل الدول والمنظمات التي تقوم هي الأخرى بذات الشيء وبصورة أكثر فعالية، فتضع القوانين وتسن التشريعات التي تفرق بين الناس فيها على أسس مبنية على الظلم وقصر النظر والنوايا السيئة المبيتة سلفا.

الحروب الصليبية كانت نوعا من العقاب الجماعي، أرتال من جيوش الفرنجة جاءت «لتحرر» أرض الميعاد من «الأقوام الضالة» بحسب ما كانوا يروجون لحملاتهم وقتها، وكذلك كانت الجرائم النازية بحق الأقليات ومن ضمنها اليهود، وما قام به المستعمر «الأبيض» بحق السكان السود في أفريقيا، أو ما قام به «الأبيض» بحق قبائل الهنود الحمر بالولايات المتحدة الأميركية، و«الأبيض» بحق السكان الأصليين لقارة أستراليا «الأبوريجين»، إنها سلسلة حزينة ومقززة من جرائم العقاب الجماعي.

والشيء المدهش في حادثة نجع حمادي الأخيرة هو سرعة ختمها بشعار الطائفية على الرغم من كونها جريمة ثأر وانتقام من أشقياء حاولوا «رد اعتبار» كرامتهم بحسب تصورهم من تصرف قام به شخص ساقط وأحمق، وبدلا من الاتجاه لمعاقبة الشخص (وهذا خطأ لأن هناك دولة لها قانون ومن المفروض أن يوكل إليها تنفيذ ذلك) قاموا بالاعتداء على المنتمين إلى نفس دين الرجل الجاني! شخص يخطئ فتتحمل قبيلته أو أسرته أو مدينته أو بلده أو دينه نتاج هذا الخطأ، إنها الجاهلية العصرية في أبشع صورها، ولن يردع ذلك إلا تجريم لهذا الأمر وعقوبة قاسية تضمن عدم تكرار ذلك، وإلا فإن العنصرية ستطغى، والطائفية ستسود، وتصبح الدول مرتعا للمقسمين والمفرقين بامتياز.

تجارب الهند وجنوب أفريقيا وسنغافورة في الحد من العقاب الجماعي وتجريم من يفكر بذلك أدت إلى قيام مجتمعات أكثر تجانسا، ودول أكثر صلابة بتسيد القانون فيها على الفكر الهمجي الضال، ولا نقول إن هذه الدول هي جنات على الأرض، ولكنها سعت بصدق وأمانة لمواجهة هذا الخطر المدمر وتعاملت معه بجدية، فهي كلها خرجت من تجارب استقلال صعبة وكانت عرضة للانشقاق والتهديد بالتمزيق، ولكنها أقرت بضرورة قيام كيان موحد ينتمي فيه المواطن لدولة وليس لقبيلة أو عائلة أو مذهب على حساب الوطن وهذا بحد ذاته مفتاح للفهم والنجاة.

[email protected]