«القاعدة».. هل تعلموا الدرس؟

TT

يبدو أن في الغرب مدرستين تختلفان في رؤيتهما حيال التعامل مع «القاعدة» والمتطرفين عموما في حرب الإرهاب. واحدة أمنية مباشرة ترى أن الفرز، بالملاحقة والمحاصرة، ضرورة لمنع الإرهابيين من العمل على الأرض داخل الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لتخويف الفئات المحتمل أن تمولها أو تقاتل معها مثل العرب والمسلمين بالاشتباه الدائم. أما الثانية فترى أن المعركة أطول وأعمق، وأن استمالة المسلمين فيه تضييق على «القاعدة» والمتطرفين عموما، وتجفيف منابعهم. هذا الفريق نجح في السنوات الثلاث الأخيرة في تغيير كثير من الممنوعات، من بينها تخفيف قوانين التأشيرات، والتعاون مع المراكز والمدارس الإسلامية، والسماح لآلاف طالبي الدراسة الجامعية بدخول الولايات المتحدة. بل وتبرعت الحكومة الأميركية قبل سنتين بدفع ثمن تعليم طلاب مسلمين أجانب للدراسة في جامعاتها. كما تغيرت حال العلاقة مع السعوديين، الذين كانوا على رأس قائمة المشتبه بهم، من التضييق والرفض إلى استقبال أكثر من أربعين ألف دارس في الجامعات الأميركية اليوم، في انفتاح لا سابقة له في تاريخ البلدين. لكن يبدو أن الأمور مهددة بالانتكاس.

الحقيقة أن معظم الحكومات الإسلامية تلاحق المتطرفين الإسلاميين أكثر من الغربية، وفي سجونها منهم أكثر مما في سجون الأميركيين بفارق هائل. وأخطاء الأمن الأميركي في الداخل لا تقل عن هفوات الحكومات الأخرى في الخارج. نضال حسن، العسكري الأردني الأميركي الذي يعمل في قاعدة فورت هود، وارتكب مذبحة قبل فترة قريبة، ما كان يستطيع السير في شوارع القاهرة أو الرياض أو عمان بهيئته الأفغانية وتهديداته الكلامية، دون أن تتم على الأقل مراقبته.

أيضا، يستحيل أن يعيش حرا طليقا شخص بالغ الخطورة مثل أنور العولقي، اليمني الأميركي، رجل يفترض أن يكون مشتبها به من رأسه إلى أخمص قدميه. العولقي ارتكب الكثير من الأفعال، بما فيها خطب التحريض الصريحة على الإنترنت وفي حلقات الذكر وداوم على السفر لهذه المهام ولم يمنع أو يراقب بما فيه الكفاية.

والعولقي، للإحاطة، التقى اثنين من فريق «القاعدة» الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). قابل الحازمي والمحضار، مبرر يكفي لجعله المشتبه به الأول. والمبررات تزايدت ضد العولقي كرجل خطر، فقد اتضح أنه كان على تواصل مع نضال حسن، الذي أفتى له بجواز قتل زملائه في فورت هود.

والعولقي أيضا التقى النيجيري فاروق عبد المطلب. وبالتالي مشتبه به بهذه الضخامة من الأدلة مر لسنوات أمام الأمن دون أن تضاء اللمبات الحمراء، في حين تمارس الشكوك ضد أناس بلا خلفية أو شبهات فقط لأنهم مسلمون وبمئات آلاف.

يفترض أن السنوات الثماني الماضية علّمت الجميع الكثير من الدروس، أهمها أننا لسنا في حرب بين دينين، ولا بين أتباع الديانتين. فعدد المسلمين الذين قتلتهم «القاعدة» أكثر بعشرات المرات مما قتلت من الغربيين. وأجهزة الأمن من حكومات إسلامية أسهمت بالمعلومات دون وقوع مئات العمليات الإرهابية في الغرب، أو ضد مراكز غربية وأفرادها في الخارج، بفضل المساعدة التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية الغربية.

وأنا، مثل كثيرين يقرأون ويتابعون، أحاول كثيرا أن أفهم عقلية مسؤولي الأمن الذين يفكرون في اتجاه واحد، منع الجريمة قبيل حدوثها، بغض النظر عن الكيفية. لكننا أمام حرب فكرية، وليست حربا مع عصابات مخدرات أو مافيات. مواجهتها فكريا لا تقل أهمية عن الركض اليومي لاصطياد المجندين والمتعاطفين مع الإرهابيين.

[email protected]