كيف الصحة؟

TT

ليس ثمة معيار أصدق لقياس تقدم الدول من معيار الرعاية الصحية، فلا القوة الاقتصادية، ولا العسكرية، ولا الثقافية، ولا شيء آخر أهم من الاهتمام بصحة الإنسان، التي هي بوابة سعادته واستقراره وطمأنينته، وحينما كان الأديب الدكتور غازي القصيبي - شفاه الله - وزيرا للصحة في السعودية كتبت تحت هذا العنوان مقالا أتساءل فيه عن أحوال الصحة، فرد عليّ برسالة خاصة يقول فيها: «أتمنى أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه الناس، فيغيب عن حديثهم السؤال: كيف الصحة؟ لأنهم سيكونون في حالة طمأنينة على صحتهم».

في الماضي كان يحزنني كثيرا مشاهدة قوافل السعوديين المرضى، وهي تتجه إلى دول خارجية لإجراء بعض العمليات الجراحية المتوسطة والكبرى لغياب الإمكانات داخل البلاد، وكنت أراها مسألة تستدعي التدخل للنهوض بمستشفياتنا لوقف هذا الرحيل اليومي المستمر إلى الخارج، ثم دار الزمن دورته، وتحولت السعودية إلى مركز من مراكز العلاج المتقدمة في المنطقة، بل أصبحت تستقبل حالات مرضية من الدول التي كنا نلتمس فيها العلاج، وما زلت أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا يضطر فيه مريض، مهما كانت خطورة مرضه، إلى البحث عن العلاج خارج خارطة الوطن لتوفره في الداخل، فما أصعب المرض والغربة إذا اجتمعا على الإنسان.

دارت في ذهني كل تلك الأفكار، وأنا أحضر يوم الأحد الماضي - ضمن مجموعة من الكتاب والإعلاميين - مؤتمرا صحافيا بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، ذلك المستشفى الذي يفترض أن تغطي خدماته أجزاء كبيرة من السعودية، وهو المستشفى الذي تعثر لسنوات، وغرق في مئات الملايين من الديون، قبل أن يتدخل خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز فيقيل عثرته، بتسديد أكثر من 400 مليون ريال كديون مستحقة على المستشفى، وكذلك الأمر بضمه إلى المؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، لتبدأ انطلاقة المستشفى الحقيقية، وها هو اليوم يشهد التأسيس لمنظومة من المشروعات الكبرى مثل: إنشاء مركزين متقدمين؛ الأول لعلاج الأورام، والثاني لعلاج أمراض وجراحة المخ والأعصاب، وكذلك توسعة الخدمات التخصصية للأطفال، وتطوير الأقسام الطبية الأخرى، بما فيها أقسام القلب والأشعة والمختبر والعيادات الخارجية، وإقرار الخطة التوسعية المستقبلية التي تزيد الطاقة الاستيعابية إلى 760 سريرا تخصصيا.

يوم الأحد الماضي كان التفاؤل بمستقبل هذا الصرح الطبي الكبير يسود أحاديث الدكتور قاسم القصبي، المشرف العام التنفيذي لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، والدكتور طارق لنجاوي المشرف التنفيذي للمستشفى بجدة، وهما ينقلان للكتاب والإعلاميين الخطوات المستقبلية للمستشفى، التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية مهمة في الخدمات العلاجية التي يقدمها، وكما أسهبنا في الماضي في نقد المستشفى فإنه من الإنصاف أن نشيد اليوم بهذا الواقع الجديد، ونتمنى أن نجد نماذج مماثلة له في مختلف مناطق بلادنا، فصحة الإنسان تستحق أن تكون لها الأولوية.

[email protected]