لم ينسوا العراق ولن ينساهم

TT

أستهل حلقة اليوم من هذه الزاوية بالإجابة على القراء الكرام الذين كتبوا لي، ومنهم السيد غسان ماجد من المملكة العربية السعودية والسيد خالد كلاوات حسن من فرنسا، يستفسرون عن روايتي الأخيرة وكيفية الحصول عليها. الرواية BY THE RIVERS OF BABYLON من منشورات «دار كوارتيت» في لندن. وترجمتها ونشرتها إلى العربية «دار الريس» في بيروت بعنوان «على ضفاف بابل». تسرد الرواية، في إطار جريمة/حب/سياسة، حكاية طبيب يهودي عانى من قيامه بإنقاذ صبية مسلمة. وهو الموضوع الذي يجرني إلى ما قرأته أخيرا عن يهودي آخر يسعى لمساعدة التلاميذ الفقراء في العراق.

مما ظل يحز في نفسي في السنوات الأخيرة، اكتشاف مدى بخل الأغنياء العراقيين وامتناعهم عن أي عمل من أعمال الخير، ولا سيما في ميادين العلوم والثقافة. لمست ذلك بصورة خاصة في امتناعهم عن إنقاذ ديوان الكوفة، هذه المؤسسة العراقية الرائعة في لندن. لا يتبرعون بشيء ما لم تكن لهم مصلحة خاصة به. نعم، يتبرعون للأغراض الدينية، طبعا طمعا بالجنة وغفران الله لهم عن كل سيئاتهم. سألت أحد زملائي: ما الذي سيفعلونه بهذه الملايين وقد أمعنوا بالشيخوخة؟، قال: سمعت بأنهم قد كلفوا أحد كبار الخبراء في غسل الأموال باكتشاف طريقة لنقل هذه الأموال إلى قبورهم.

لهذا شعرت بدهشة كبيرة عندما قرأت في صحيفة «التايمس» أن مليونيرا عراقيا تبرع بثلاثة ملايين باوند أخيرا لمنح زمالات علمية للتلامذة العراقيين الفقراء. واصلت قراءة الخبر فوجدت أن هذا المحسن الكبير هو الدكتور نعيم دنكور، حفيد الحاخام دنكور، رئيس حاخامي الطائفة الموسوية في العراق في الأيام الغابرة، أيام الخير. لهذا الرجل وعقيلته الفاضلة التي فازت في الأربعينات بلقب ملكة جمال العراق، أياد طولى في مهمات الإحسان، والجامعات البريطانية مدينة له بالكثير من مشاريعها.

بيد أن هذا التبرع الأخير يستحق تقديرا خاصا؛ فهذا الرجل صمد وبقي في العراق حتى الستينات، ولكن الضغوط والاضطهاد الذي ظل اليهود يواجهونه في العهد الجمهوري لم يترك خيارا لهذه العائلة العراقية الأصيلة غير الهجرة، فرحلوا إلى بريطانيا. ولكن قلوبهم ظلت مشدودة إلى العراق. رأيت الدكتور نعيم وأسرته الفاضلة في إحدى حفلات المقام العراقي التي قدمها حامد السعدي ولاحظت مدى تأثرهم وانفعالهم بما سمعوه من الأغاني العراقية التراثية التي طالما تميز بها يهود العراق.

سمعت بكل ذلك، فقلت: كيف سيدبر هذا الرجل الفاضل توزيع هذا المبلغ الكبير على تلاميذ العراق؟ من سيضمن له عدم اختطافه من قبل العلاسين الخطافين للمطالبة بحصتهم؟ كيف سيضمن أن من سيتقدمون للمساعدة هم فعلا من فقراء العراق وليسوا من أبناء ولي الشأن، يأتونه بشتى الشهادات لإثبات فقرهم وعبقريتهم في الدراسة، ووثائق تثبت أن جدتهم كانت من بني إسرائيل وخطفها البعثيون في القرن الثامن عشر وزوجوها لمسلم من تكريت؟