قضية عبد المطلب وسلطة الرئيس في احتجاز الإرهابيين

TT

قد يرجع كثير من الانتقادات الموجهة لقرار أوباما بتوجيه تهم جنائية إلى المتهم بمحاولة تفجير طائرة في يوم عيد الميلاد إلى الجهل أو سوء النية أو كليهما، حيث إن خطوة توجيه تهم جنائية إلى النيجيري المشتبه به لا تعكس فقط ذهنية فرض القانون المفترضة للإدارة، ولكنها تظهر، كما يزعم نائب الرئيس السابق ديك تشيني، أن الرئيس أوباما «يدعي أننا لسنا في حالة حرب». وفي الوقت نفسه، يتجاهل المطالبون باعتبار عمر الفاروق عبد المطلب من الأعداء المقاتلين، وبمثوله أمام المحاكم العسكرية، عدة حقائق مهمة، فأولا لم يتم تصنيف أي من المتهمين الذين تم اعتقالهم على الأراضي الأميركية باعتبارهم أعداء مقاتلين، بخلاف جوس باديلا وعلي صالح كحلة الماري اللذين أسقطت عنهما في نهاية المطاف تلك الصفة وتم تحويلهما إلى المحاكم الفيدرالية. بالإضافة إلى أن المحكمة العليا تؤكد حق الأعداء المقاتلين في المثول أمام المحاكم الفيدرالية لتحديد ما إذا كان احتجازهم شرعيا أم لا.

وكما أن المحاكم العسكرية تقدم أيضا كثيرا من وسائل الحماية التي يتذمر بشأنها المنتقدون، مثل افتراض براءة المتهم، ووجود دليل لا يخامره شك، بالإضافة إلى حق المتهم في الحصول على محام. وعلى الرغم من أن رغبة البعض في الحكم على المتهمين بالإعدام لها مبرراتها، فإن مثول المتهم أمام المحاكم العسكرية لن يساعد على تحقيق ذلك.

وربما يكون الفارق الحقيقي الوحيد بين المحاكم الفيدرالية والمحاكم العسكرية هو سرعة إصدار المحاكم العسكرية للأحكام، ولكن بمحاكمة عبد المطلب أمام المحاكم الفيدرالية لن تكون هناك فرصة للطعن في شرعية محاكمته.

ولكن، وعلى الرغم من ذلك، فإنه ما زال لدي تخوف ملح بشأن توجيه تهم جنائية لعبد المطلب، وتخوف أكثر إلحاحا بشأن كفاءة النظام القانوني الحالي في التصدي للإرهاب.

أما بالنسبة للقضية، فهل يتعارض لجوء الإدارة السريع إلى المحاكم الجنائية - وقد تم إحالة القضية في اليوم التالي - مع قدرة المحققين على الحصول على أقصى قدر من المعلومات من عبد المطلب؟ ماذا إذا كان هناك آخرون لديهم مثل هذه الأجهزة الخطرة؟ ألم يكن من الأفضل الاستمرار في استجواب عبد المطلب قبل قراءة حقوقه عليه وتوفير محام له أخبره بلا شك منذ اليوم الأول أن يتوقف عن الكلام؟!

مما لا شك فيه أن مثل تلك الاستجوابات لن تقف حائلا دون توجيه التهم الجنائية للمتهم لاحقا، ولكنها سوف تمنع المدعي ببساطة من استخدام تلك التعليقات والمعلومات المستخلصة منه في الإجراءات الجنائية. فإذا استطاع المدعون توجيه تهم جنائية ضد المتهم بكونه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، خالد شيخ محمد، بعد 183 عملية تعذيب بمحاكاة الغرق تعرض لها، فلن يكون هناك أي خطر من استجواب عبد المطلب. فوفقا للدليل المتاح ضده - المتفجرات التي كان يخفيها تحت ملابسه والطائرة الممتلئة بشهود العيان - يمكن لأي طالب في السنة الأولى من كليات الحقوق الفوز بتلك القضية.

ويؤكد المسؤولون في الإدارة الأميركية أنه لم يكن هناك حاجة لذلك نظرا لأن عبد المطلب كان يتحدث من دون ضغوط. فقد قال لي أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية: «لقد كان يتحدث باستمرار وقدم بالفعل معلومات مهمة للغاية حتى حصل على محام». ولكن عبد المطلب وجهت له تلك التهم الجنائية بعد 24 ساعة فقط من الواقعة. فهل كان ذلك الوقت كافيا للحصول على أقصى حد من المعلومات منه، بغض النظر عن ضآلة حجم عبد المطلب أو أهميته؟

يحتج المسؤولون بالإدارة بأنهم يمكنهم الاستمرار في حث عبد المطلب على الإدلاء بالمعلومات التي يعرفها من خلال عقد صفقة معه يحصل بمقتضاها على عقوبة أقل أو معاملة أفضل. حسن، ولكن ذلك ليس سهلا، حيث تستغرق المواجهة المتوقعة بين المدعي وهيئة الدفاع بعض الوقت، وفي الوقت نفسه، تقل قيمة المعلومات التي يخبرنا بها الإرهابيون وأهميتها بمرور الوقت، وهو ما يثير التساؤل الأكبر بشأن ضعف قدرة النظام القانوني الحالي على اكتشاف المشتبه بهم واستجوابهم، فالمشكلة لا تتعلق بما إذا كانت المحاكمة النهائية ستكون أمام المحاكم الفيدرالية أم المحاكم العسكرية. ويقدم القرار الذي أصدرته يوم الاثنين محكمة الالتماس الفيدرالية التي يمثل أمامها زكريا موسوي دليلا آخر على أن المحاكم الفيدرالية يمكنها معالجة تلك القضايا.

وتكمن الصعوبة في كيفية التعامل مع الإرهابيين المشتبه بهم منذ البداية، فمما لا شك فيه أن إدارة أوباما سوف تتخذ منحى مغايرا للأجواء التي فرضتها إدارة بوش بشأن احتجاز الأعداء المقاتلين على الأراضي الأميركية إلى أجل غير مسمى. ولكن ماذا ستفعل في قضايا مثل قضية باديلا التي ما زال الدليل فيها ضعيفا على الرغم من أن المشتبه به أكثر خطورة من أن يطلق سراحه؟ وكيف ستتعامل مع مشتبه به مثل عبد المطلب، الذي ربما يكون بحوزته معلومات شديدة الخطورة والأهمية؟

يقترح كل من بنيامين ويتس وكولين بيبارد في ورقة بحثية أصدراها لصالح معهد «بروكينغز» بأن يتم منح الرئيس الصلاحية لاحتجاز المشتبه فيهم من غير المواطنين الأميركيين الذين يمثلون خطرا حقيقيا حتى 14 يوما قبل تقديمهم للسلطات القضائية. وبعد ذلك، يمكن للمحكمة النظر في مسألة الاحتجاز في حد ذاتها وإذا ما أقرت شرعيته يمكن تجديده كل ستة أشهر.

ولكن بعد أن كان الرئيس أوباما يفكر في التشريع الذي سيحدد معالم سلطته القانونية في احتجاز الإرهابيين تراجع. وذلك أمر مؤسف، حيث إن وضع نظام قانوني أكثر وضوحا، ربما يساعد الإدارة على تجنب مثل تلك الاتهامات الموجهة إليها حول اتخاذها مواقف لينة في التعامل مع الإرهاب.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»