رئيس المكتب السياسي لـ« الأنفاق»

TT

لا يستطيع أي سياسي حصيف يريد أن يحصل على شرعية إقليمية ودولية أن يبرر أي نشاط غير شرعي أو قانوني، من دون أن يعرض مصداقيته إلى الخطر، ولذلك كان غريبا تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، أول من أمس، بأن التهريب عبر الأنفاق بين غزة ورفح المصرية تجارة مشروعة يستفيد منها الطرفان.

ولا أحد ضد التجارة أو الاستفادة، وازدهار النشاط الاقتصادي بين جانبي الحدود ولكن بشكل شرعي وقانوني وبين تجار حقيقيين، ويستفيد منه الناس العاديون، وليسوا مهربين وحفاري أنفاق يخلطون بين المخدرات والسلاح والبضائع، حسب طبيعة كل نفق، ويؤدي نشاطهم إلى حالة عدم استقرار أمني وظهور عصابات مسلحة تستفيد من الانفلات.

وأقرب دليل على ذلك خبر صغير مر عابرا دون اهتمام قبل نحو أسبوع عن مظاهرة احتجاج في مدينة العريش المصرية القريبة من الحدود والمتأثرة بما يحدث من أهالي المدينة ضد الفلتان الأمني بعد مقتل أحد الشبان على يد مسلحين مجهولين، وطالب المتظاهرون بالقضاء على العصابات المسلحة وجلب الجناة للعدالة.

والغريب في مسألة الأنفاق هذه التي توسعت وأصبحت مرادفا لحكم حماس في غزة بعد طرد السلطة الفلسطينية بقوة السلاح، أن هناك إصرارا عجيبا عليها، يصل إلى حد التفاخر بها، ودعوة الصحافيين إلى زيارتها وتصويرها، وكأنها منشآت اقتصادية يجب إظهارها للعالم، وأصبحت هناك عائلات أشبه بشركات تجارية تدير هذه الأنفاق وتحصّل رسوما وتدفع ضرائب لمحصلي الضرائب التابعين لحماس، ولا يتبقى سوى أن يضع الجانب المصري موظفي جمارك على الجانب الآخر من النفق، وحتى تكتمل الصورة قد يكون الأوفق إبرام اتفاق مع الجانب الآخر الذي يحتاج إلى تغيير اسمه إلى «المكتب السياسي للأنفاق».

نعم هناك حصار إسرائيلي، ومعاناة واحتياجات أساسية لسكان غزة يجب تلبيتها، لكن الأنفاق ليست الحل، إلا لو كان الهدف هو أنشطة غير شرعية، وقد طرحت حلول كثيرة من أجل فتح الحدود، كلها بالطبع يدخل في إطار المصالحة الفلسطينية، واتفاق يعيد موظفي السلطة المعترف بها عربيا ودوليا إلى معابر الحدود من أجل فتح المعابر لتمر التجارة بشكل شرعي، وهو ما رفضته حماس أو عرقلته طوال فترة سيطرتها على غزة التي جعلت سكانها رهينة لهذا الصراع بينها وبين فتح.

وكانت كل الجهود العربية والإقليمية مع المجتمع الدولي، والتي بدأت بعد مؤتمر مدريد، تتجه لدفع القضية الفلسطينية للانتقال من مرحلة الفصائل إلى إنشاء مؤسسات وسلطة تحظى باعتراف وشرعية دولية تقود إلى دولة ذات سيادة تتحكم في حدودها، بينما كل ما قامت به حماس هو المساعدة في هدم هذه المؤسسات وإعادة العجلة إلى الوراء، واختزال القضية في غزة أولا ثم المعابر ثانيا، وأصبحنا الآن في مرحلة الأنفاق نرى حملات سياسية وفتاوى من جماعات دينية دفاعا عن الأنفاق.

وسط تهريج هذه الجماعات لا يمكن سوى التأكيد على أنه لا توجد دولة تحترم نفسها وتؤكد سيادتها على أراضيها تستطيع أن تقف ساكنة وهي ترى يوميا نشاط تجارة التهريب تمر عبر أراضيها بلا حسيب أو رقيب، بدون أن تخاطر بمصداقيتها وشرعيتها وسط المجتمع الدولي، وحتى داخليا أمام شعبها، باعتبار أن جزءا مهما من العقد الاجتماعي هو القدرة على ممارسة السيادة، خاصة تجاه أطراف خارجية. خلاف ذلك كل شيء يمكن التفاهم عليه إذا كانت هناك نوايا حسنة وشعور بالمسؤولية تجاه الناس، أما تعميم الفوضى وتصديرها فهو شيء لا يستطيع أحد قبوله، ويجب ردعه.