«سي آي إيه» فخورة بكونها في الخط الأمامي ضد «القاعدة»

TT

جاءت الأنباء البشعة في 30 ديسمبر (كانون الأول)، حول قيام تفجيري انتحاري بقتل سبعة أميركيين في أفغانستان، لتذكر البعض بأننا في حالة حرب. إلا أنه بالنسبة إلى رجال ونساء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، الذين كان هؤلاء السبعة من زملائهم، لم تكن هناك حاجة إلى ما يذكرهم بذلك.

ويتمثل الدرس الرئيسي المستفاد من هذا الهجوم في أنه، مثلما الحال مع مؤسستنا العسكرية، يرابط ضباط وكالة الاستخبارات المركزية في الصفوف الأمامية ضد تنظيم القاعدة وحلفائه الإرهابيين، ويخوض أبناء الوكالة مخاطر لمواجهة العدو، وجمع معلومات لتدمير شبكاته وتعطيل عملياته. والمؤكد أن «القاعدة» عدو شرير، سبق له مهاجمة بلادنا، ولا يزال عاقدا العزم على تكرار ذلك.

ومن جانبنا، وجدنا العزاء، كوكالة، في قوة وبطولة زملائنا الذين لقوا حتفهم، وأسرهم. لكننا لم نجد عزاء في التعليقات العامة التي توحي بأن من فقدوا أرواحهم هم الذين تسببوا، بصورة ما، في جلب هذا على أنفسهم، جراء مستوى الأداء الرديء. ويشبه هذا الأمر القول إن جنود المشاة البحرية الذين قُتلوا في معارك بالأسلحة جلبوا الموت لأنفسهم، لتدني مستوى المهارات القتالية لديهم.

إن الأمر لا يتعلق بالثقة في أصل استخباراتي محتمل، حتى إن كان مصدرا قدّم معلومات تمكننا من التحقق من صحتها على نحو مستقل. فالأمر لم يكن يوما بهذه البساطة، ولم يغفل أحد منا قط عن الأخطار المحتملة. لقد كان هذا الشخص على وشك التعرض للتفتيش من قِبل ضباطنا الأمنيين - ويقف على مسافة بعيدة عن المسؤولين الاستخباراتيين الآخرين - عندما أقدم على تفجير نفسه.

لقد كان ضباطنا يشاركون في مهمة ذات أهمية قصوى في جزء من العالم ينطوي على أخطار جمة. وقد حرصوا على استغلال مهاراتهم، وخبراتهم، واستعدادهم خوض الأخطار في هذه المهمة. ويعد هذا هو السبيل الذي نتمكن من خلاله من إنجاز النجاح في مهماتنا. وفي أوقات الحرب، قد يترتب على خوض هذه السبيل ثمن فادح.

ولا شك أنه ليس بمقدور وكالة الاستخبارات المركزية الحديث، علانية، عن انتصاراتها الكبرى، والمخططات التي أحبطت، والإرهابيين الذين جرى تحييدهم. فخلال العام الماضي، ألحقنا أضرارا بالغة، على نحو استثنائي، بـ«القاعدة» وأعوانها، وهذا هو السبب وراء الهجوم المضاد الذي شنه المتطرفون ضدنا. ولذلك، ننوي البقاء في حالة هجوم.

إن ضمان سلامة ضباطنا أمر بالغ الأهمية. وإذا كانت هناك دروس يمكننا استخلاصها من حادثة قاعدة تشامبان، ويكون بمقدورها إضفاء مزيد من القوة علينا في إطار الحرب الدموية الدائرة، فإننا سنعمد إلى تطبيقها، بطبيعة الحال. لكن دعونا نتعامل بوضوح مع الأمر: عندما تحارب إرهابيين، ستكون هناك مخاطر. ونحن من جانبنا نحرص على تعديل وتنقيح أدواتنا باستمرار، لإنجاز المهام الموكلة إلينا، التي تتسم، في أفضل الظروف، بدرجة استثنائية من التعقيد والصعوبة. ولا ينبغي أن يقع أحد في خطأ النظر إلى المناطق النائية في جنوب آسيا باعتبارها شبيهة بالعواصم الأوروبية خلال الحرب الباردة، فمهامنا الحالية تجري في بيئة مغايرة ضد عدو مختلف تماما، مما دفعنا لتعديل أساليبنا بما يتوافق مع ميادين القتال. ففي منطقة جرداء، خارج خوست بأفغانستان، ليس من السهل العثور على منازل «آمنة»: أحد العناصر الرئيسية في عالم الجاسوسية التقليدي.

ويتركز اهتمامنا حاليا على هؤلاء الأبطال الأميركيين السبعة، ومن أصيبوا بجوارهم. لقد أدركوا جيدا قيمة عملهم ضد الإرهاب، واضطلعوا بواجباتهم باقتدار، وحماس، وتقدير كامل للمخاطر. وخلال الأيام اللاحقة، منذ وقوع هذه المأساة، أخبرني الكثير من أقاربهم أن أحباءهم، بوجودهم في أفغانستان، كانوا حيثما أرادوا، فهم لم يكونوا آبهين بالأخطار. ولو لم تكن وكالة الاستخبارات المركزية موجودة في هذه النقطة الوعرة، وغيرها الكثير، لم تكن لتتمكن من جمع معلومات بإمكانها إنقاذ أرواح أميركية، ولم تكن الوكالة لتضطلع بواجبها.

وفي اليوم الذي عادت فيه نعوش زملائنا الذين سقطوا إلى قاعدة دوفر الجوية بعد رحلة طويلة، بدأ اجتماع لوكالة الاستخبارات المركزية بدقيقة صمت، أعقبها إعلان بالالتزام القوي بالمضي قدما في عملياتنا النشطة ضد الإرهاب. إننا في الوكالة نفعل ما هو أكثر من مجرد الحداد على من فقدناهم، فنحن نكرّمهم، وذلك من خلال المضي قدما في العمل الذي كانوا يقومون به، والذي أخلصوا له كل الإخلاص. ويشكل زملاؤهم مجموعة قوية من الخبرات والإقدام، وهم ملتزمون بالاضطلاع بدور حيوي في هذه الحرب التي لا نملك سوى الانتصار فيها.

* مدير وكالة الاستخبارات المركزية

* خدمة «واشنطن بوست»

- خاص بـ«الشرق الأوسط»