أعداء في البخت!

TT

كما يمكن أن يكون الحب من طرف واحد، فإن الكراهية يمكن أن تكون من طرف واحد أحيانا، فقد يطلع لك في «البخت» عدو لا تعرف سببا لكراهيته لك، ولا دافعا لحملاته العدائية ضدك، حيث لا تتذكر قط أنك قد سلبته مجدا، أو اغتصبت له حقا، وأن رؤيتك له لا تختلف بحال من الأحوال عن رؤيتك لغيره من عباد الله الذين تتعامل معهم كإنسان يعيش وسط مجتمع إنساني، يدرك ما له ويعرف ما عليه. وهؤلاء الذين يمارسون الكراهية المجانية من طرف واحد، هم أولئك الذين يعانون من مركبات نقص حادة تجعلك تتنبأ سلفا بأحكامهم تجاه الآخرين، فمعيار الحب والكراهية لدى هؤلاء مرهون بحالة تفوق الآخر، فهم على الضفة المعاكسة دائما جاهزون.

في شارع العمر التقيت بأحد هؤلاء، وهو يعتبر أفضل وسيلة إيضاح لهذا المرض النفسي، ففي داخل ذلك الرجل كمية حقد خام تجعل صدره أكبر منجم بشري للكراهية المجانية بكل أنواعها، ولو قدر لهذا الرجل أن يتفجر كبركان للامست حمم كراهيته عنان السماء، ولأمطرت السحب بغضاء وضغينة وحقدا يكفي لتسميم مدينة بكامل إنسها وناسها، وبشرها وحجرها، وبرها وبحرها. فقائمة الأصدقاء والأعداء لدى هذا الرجل العدواني محددة سلفا، فهو لا يحتفي في صداقاته بغير الفاشلين، ووجوده بينهم يشعره بأنه ليس الفاشل الوحيد، وأن ثمة آخرين يشاركونه نفس النتيجة، ويتقاسمون معه نفس المصير، ومثل هذا الشعور لا يمكن أن يتحقق له في محيط النابهين، فيتضخم إحساسه بنقصه، ويلجأ عقله إلى حيل لا شعورية تبريرية بحثا عن مثالب محتملة للآخرين، ولربما برر لنفسه أن رجل الأعمال الناجح قد جمع ثروته بطرق غير مشروعه، وأن الإداري المتميز حصل على كرسيه بالواسطة، وأن الخطيب المفوه يقلد «فلانا»، وأن الرسام الجميل يلطش من «علان». وهؤلاء المرضى لا يكفيهم تدمير ذواتهم فحسب، ولكنهم يستخدمون كل السبل لتدمير ذوات الآخرين أيضا.

ومثل هذه الشخصيات من التعقيد بصورة يمكن اعتبارها حالات ميؤوسا من شفائها إن لم تتداركها رحمة الرحمن، والله المستعان.

[email protected]