وهم كبير اسمه كنوز أثرية تحت الرمال!

TT

فوجئت في الصباح بإحدى الصحف المصرية تنشر على صدر صفحتها الأولى خبر العثور على معبد فرعوني ضخم إلى جوار معبد إسنا بصعيد مصر (وتتبع إسنا حاليا محافظة الأقصر): «العثور على تماثيل من الذهب وبيعها بمائة مليون دولار...».

بالطبع أزعج هذا الخبر الكثير من الناس وبعضهم اعتقد بالفعل في صحة ما أوردته الصحيفة.. وعلى الرغم من تأكدي وكل العاملين بالآثار من زيف الخبر فإنني قمت على الفور بمخاطبة مدير الآثار للذهاب على وجه السرعة إلى إسنا، لا لكي يحقق في حقيقة ما إذا كان هناك كشف أم لا، وإنما لتقصّي الحقائق ومعرفة من وراء هذا الخبر، ولماذا.

وهناك تقابل مدير الآثار مع المسؤولين عن آثار إسنا والمعبد الذي يقع داخل المدينة، واتضح بعد البحث أن القصة كلها من تأليف خيال أحد الصحافيين الذي ظل يعمل بالجريدة لأكثر من عشر سنوات ولم يرَ قط اسمه على الصفحة الأولى، ويعمل مندوبا للصحيفة بإسنا.. وعندما وجد أنه لا فائدة من ظهور اسمه على الصفحة الأولى من خلال ما يرسله من أخبار عادية عن مدينة إسنا وما يجاورها، قام باختلاق القصة الوهمية، وبالفعل وجد اسمه مكتوبا في الصفحة الأولى، بعدها قامت الصحيفة بنشر تكذيب للخبر في كلمات قليلة داخل صفحاتها الداخلية وكأن شيئا لم يحدث! وقد حدث أن اتصل بي صديقي المعماري الشهير حماد عبد الله وهو يزور ألمانيا، وقال لي إن له صديقا في القاهرة يعرف مكان مقبرة مهمة جدا بمدينة الفشن ببني سويف، وداخل هذه المقبرة أوراق بردي موضوعة أسفل رؤوس المومياوات الموجودة داخل المقبرة التي تقع على عمق 15 مترا من سطح الأرض، وإن صديقه يرغب في الحديث إليّ، وبالفعل جاءني الرجل وقال لي إن أحد أقربائه هو الذي أبلغه بهذا الخبر وأعطاني رقم تليفونه. وقد قلت لهذا الشخص بالحرف الواحد قبل أن نقوم بالاتصال والمعاينة: «هذا الموضوع نصب في نصب ولن نجد شيئا.. إنه وهم العثور على الكنوز»، وقمت بمخاطبة مديرة آثار بني سويف ورئيس مباحث الآثار، وبعد أن وجدوا الشخص الذي يعيش بمدينة الفشن قال لهم إنه سمع هذه القصة وأبلغها إلى قريبه في القاهرة!

ولم نصل إلى الكنز بالطبع!

وللأسف الشديد إن أخبار العثور على كنوز كبيرة من الذهب والألماس والزئبق الأحمر وغيرها من نفائس المعادن قد تبدأ من مجرد وهم وخيال إما لشخص مريض بهوس الآثار، وإما نصّاب محترف، وفي أحيان أخرى تأتي أخبار هذه الاكتشافات الضخمة وتبدأ من مجرد عثور شخص ما على حجر عليه حرف هيروغليفي أو حتى خطّ أو خطّان.. ويُنقل هذا الخبر من شخص إلى شخص فينتهي في النهاية بأنه كنز من الذهب الخالص، والتضخيم هنا هو عادة الناس لإضافة مزيد من الإثارة والغموض والتشويق. ولعل خطورة انتشار الإشاعات التي تدور حول العثور على كنوز مخبأة أن بعض الناس من ضعاف النفوس والباحثين عن الثراء السريع ينساقون وراءها وينتهي أمرهم في النهاية بفقدهم لحياتهم، مثلما حدث مع الإخوة الثلاثة من أسوان عندما ذهبوا للحفر أسفل الجبل بحثا عن الآثار فانهار عليهم ودُفنوا أسفله.. وكذلك فقد ستة أشخاص آخرين حياتهم داخل حفرة أسفل منزل صديق لهم بعدما انهارت جوانب الحفرة عليهم، وذلك في بلدة نزلة السمان بالهرم.

في اعتقادي ليس هناك من حل أو سبيل لوقف هذه الإشاعات التي نسمعها كل يوم وفي كل مكان في مصر.. ولذلك اقترحنا في القانون الجديد للآثار تشديد عقوبة سرقة الآثار وعقوبة الحفر الخلسة والاعتداء على المناطق الأثرية والتي وصلت فيها التعديات إلى أكثر من 18 ألف تعدٍّ سواء بالبناء أو الزراعة.

تُرى هل هناك حل لكي نحافظ على تراثنا من النهب والسرقة والإشاعات؟

سؤال لا يزال يبحث عن إجابة.. وربما لن نجد له إجابة أبدا!