للقمع فكاهاته أيضا

TT

إذا كان التعذيب قد أفرز هذا الفصل من النكات فإنه أيضا أفرز فصلا ثانيا في سجل السخرية والفكاهة، فصل نكات قمع حرية الكلام. شاع ذلك في شتى الدول الدكتاتورية في أوروبا... وطبعا العالم العربي. برزت منها حكاية الكلب الذي يريد أن ينبح. رويت عنه في شتى هذه الدول. وكان منها حكاية الكلب العراقي الذي شوهد يعدو متلهفا في أيام صدام حسين ليجتاز حدود إيران في أيام الشاه. التقته الكلاب الإيرانية في دهشة. قالوا له: «انت مجنون؟ وين رايح؟ نحن هنا هلكنا من الجوع. نركض النهار كله على عظمة وما نحصلها! على إيش جاي هنا؟»، قال وهو يلتقط أنفاسه المتعبة: «أريد شوية أعوي!».

كان من أسوأ أخطاء الأنظمة الشيوعية قمع حرية الفكر والتعبير والنقد، ولا سيما انتقاد القوات السوفياتية المحتلة لدول أوروبا الشرقية. ذهب مواطن بولندي ليسجل ضياع ساعته. قال لضابط الشرطة: «إن جنديا سويسريا سرق مني ساعتي الروسية». وضع الضابط قلمه على الطاولة وقال له: «أنت مرتبك. أنت تقصد أن جندياً روسياً سرق منك ساعتك السويسرية».

- «هذي طلعت من لسانك وليس من لساني. أنت قلتها».

الواقع أنه توجد في مقابل هذه القفشة حكاية حقيقية جرت بالنسبة لانتقاد القوات السوفياتية، وكان ذلك عندما التقى تيتو بستالين بعد تحرير البلقان من الألمان. اشتكى تيتو أن بعض الجنود الروس قد أخذوا يغتصبون النساء اليوغسلافيات. أجابه ستالين بلغته الشعبية: «هذا الجندي السوفياتي الذي تشكو منه قد جاءكم من وراء جبال القفقاس، قطع مئات الأميال في الطين والأوحال وتحت الثلوج والأمطار، يقاتل الألمان ويواجه الموت يوما بعد يوم حتى وصل إليكم وحرر بلادكم منهم. وأنت تأتي هنا لتشكو أنه جامع بنتا من بناتكم؟! كلا. لا يجوز انتقاد السوفيات حتى عندما يغتصبون ابنتك».

تعالت الشكوى من سوء نوعية اللحم في ألمانيا الشرقية، فعزت السلطات ذلك إلى سوء طبخه، ونظمت دورة تعليمية لربات البيوت في كيفية طبخ اللحوم. عادت إحداهن بعد انتهاء الدورة وطبخت لزوجها قطعة ستيك حسب ما تعلمته، ولكن الزوج لم يستطع قطعها رغم كل ما بذله من جهد. استغربت الزوجة من الأمر وذكرت ذلك لجارتها، فقالت لها: «خلي بالك! يمكن حاطين باللحمة جهاز تنصت وتسجيل».

وكان من أطرف ما سمعته على غرار ذلك ما رواه لي صديقي الشاعر صلاح نيازي. دعوه في عهد صدام حسين لندوة في بغداد. أسكنوه مع شاعر آخر في غرفة واحدة. بدأ هذا الآخر بالكلام في انتقاد الوضع. أشار عليه أبو ريا بأن يسكت ولا ينطق بذلك، فقد تكون هناك في الحيطان أجهزة تنصت. راح الزميل يعبر عن رأيه بالإشارات ودون كلام. أشار عليه أبو ريا بأن يبرح كلاهما الغرفة. وفي الممر خارج الغرفة قال له: «ولا تستعمل يدك وتؤشر. يمكن حاطين كاميرا تصورنا». فقال له الزميل: «ويعني ما تفتكر إنه يمكن حاطين مسجلات وكاميرات بالممر أيضا؟».