أوباما وهاجس غوانتانامو

TT

أعدت هيئة المحلفين الكبرى بمحكمة ميشيغان لائحة اتهام بحق النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تتضمن الشروع في القتل وعددا آخر من التهم الجنائية. وفي اليوم الذي سبقه أعلنت وزارة الخارجية أن تأشيرته قد سحبت.

قد تكون تلك إشارة على حسن تعامل النظام مع عبد المطلب، لكن ما فقده من التمتع بمميزات الطيران اكتسبه في المحاكمة، فقد قررت إدارة أوباما منحه حق الحصول على محام والتزام الصمت. وبتنا الآن مجبرين على شراء المعلومات من ذلك الإرهابي بعملات الشفقة.

والمفارقة هي أن عبد المطلب في قبضتنا الآن، وكان من الممكن أن تكون المعلومات المهمة بشأن تدريبه من قبل عناصر «القاعدة» في اليمن ذات فائدة كبرى، لكن الإدارة، وبعد بضعة أيام من توكيل محام للدفاع عنه ومنحه حق التزام الصمت، أُجبرت على إغلاق سفارتها في اليمن بسبب التهديدات النشطة من نفس الأشخاص الذين دربوا وأرسلوا عبد المطلب.

كان الأجدر بالإدارة، إن رغبت، في نهاية المطاف أن تحاكمه كمجرم عادي تحتجزه في سجن عسكري، ومن ثم يخضع للاستجواب العسكري، دون اعتراض على نقله، فعلى الرغم من معاملتنا لجميع معتقلي غوانتانامو منذ بداية الأمر كأعداء محاربين، ومن ثم استجوابهم، فإن بعضهم (وأكثرهم خطورة خالد شيخ محمد) سيمثلون أمام محاكم مدنية، رغم إمكانية تأخر هذا القرار بعض الوقت.

يعترف جون بيرنان مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب بعدم القدرة على رؤية أي أضرار في معاملة عبد المطلب كمجرم عادي، له حق التزام الصمت، وهي وجهة نظر لا يتفق معها 71% من الناخبين.

من المؤكد أنه بعد القليل من التصريحات القليلة غير الملائمة، بدا الرئيس غاضبا بشأن محاولة التفجير الإرهابية. وكانت أول التدبيرات التي اتخذها الأمر باتخاذ إجراءات تفتيش دقيقة ضد الركاب القادمين من 14 دولة غالبيتها إسلامية. تلك هي الخطوة العقلانية الأولى بعيدا عن العشوائية في التفتيش والتوجه إلى التركيز على الأفراد الذين يتوقع أن يكونوا انتحاريين محتملين.

كما أوقف الرئيس أوباما كل عمليات نقل اليمنيين من غوانتانامو، بيد أنه أصر على تكرار عزمه على إغلاق المعتقل، مستحضرا منطقه المعهود في القضاء على مكمن الخطر والمحرك وراء تجنيد مقاتلين في صفوف «القاعدة».

وتخيل لو أن غوانتانامو اختفى غدا في موجة تسونامي. هل تعتقد أن ذلك سيعمل على إضعاف تجنيد انتحاريين جدد لـ«القاعدة» في اليمن والسعودية وباكستان ولندن؟

من المؤكد أن ذلك اعتقاد خاطئ، فقائمة اتهامات الجهاديين ضد الغرب متجددة لا تتوقف، ففتوى أسامة بن لادن التي أطلقها عام 1998، والتي تأمر بالجهاد العالمي ضد الولايات المتحدة، كانت المحرك وراء قتال قواتنا المتمركزة في السعودية والعراق الذي كان يئن خلال العقوبات التي فرضت ضد نظام صدام حسين. واليوم لا توجد قوات أميركية في السعودية، ونظام العقوبات ضد العراق ألغي قبل سنوات، فهل «القاعدة» توقفت عن تجنيد متطوعين جدد؟ كلا، لم يحدث ذلك، فأيمن الظواهري الرجل الثاني في «القاعدة» لم يتوقف عن الحديث في خطبه عن الأندلس، أما بالنسبة إلى أولئك الذين لم ينزلقوا إلى قاموس الاتهامات الإسلامي الضخم فالأندلس إشارة إلى أيبيريا التي خسرها المسلمون لصالح المسيحيين في عام 1492.

ما يدعو إليه بن لادن والظواهري عقيدة دينية متعصبة تستهدف إنشاء أكثر أنواع الحكم الكهنوتي قمعية، ومن ثم خوض حرب لا نهاية لها مع الولايات المتحدة، ليس فقط لأنها كافرة، ولكن لأنها تمثل الحداثة بحريتها الفردية والمساواة الاجتماعية (خصوصا بالنسبة إلى المرأة) والتسامح العميق (الديني والجنسي والفلسفي)، فهل ستغير ذلك عبر إخلاء غوانتانامو؟

على الرغم من عدم إمكانية تراجع الرئيس أوباما عن قراره بإغلاق غوانتانامو، والتزامه بذلك سياسيا، يبدو الأمل الوحيد الآن في أن يبني منطقه على أساس النفعية السياسية بدلا من المبادئ الراسخة.

* خدمة «واشنطن بوست»

- خاص بـ«الشرق الأوسط»