شكرا أردوغان

TT

حسنا فعلت مؤسسة الملك فيصل الخيرية بالإعلان عن منحها لجائزتها الأهم «خدمة الإسلام» لرئيس وزراء تركيا رجب أردوغان، وقد سببت المؤسسة اختيارها لأردوغان «باعتباره أنموذجا» للقيادة الواعية الحكيمة في العالم الإسلامي، وقيامه بجهود عظيمة بناءة في المناصب السياسية والإدارية التي تولاها.

وجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام توازي جائزة نوبل للسلام، فمؤسسة الملك فيصل ونوبل باتتا اليوم أهم مؤسستين عالميتين تكرمان التفوقات الإنسانية في ما ينفع الناس عموما.

أردوغان شخصية ناجحة وفعالة جدا، صعد نجمه وبقوة إبان مكافحته للفساد خلال توليه منصب عمدة مدينة اسطنبول بنجاح كبير. ووهج أردوغان الكبير وتألقه هو حصاد مهم للحراك الإسلامي العاقل على الساحة التركية، الذي شهد بروز نجوم كثيرين أصحاب مهام ورسالات مؤثرة داخل المجتمع التركي، جعلت بالإمكان أن يمهد لشخص بثقل وأهمية أردوغان ليصل إلى أعلى المناصب. فهناك شخصيات مثل نجم الدين أربكان الذي كان أول من «دخل» الخط السياسي من نهج إسلامي عقلاني في مواجهة قوة فولاذية من الجيش المسيطر على معطيات الحكم في تركيا، وعلى الصعيد الفكري كان هناك بديع الزمان النورسي صاحب مؤلف «رسائل النور»، تلك المجموعة الغزيرة من الأفكار البناءة التي تعتمد بشكل أساسي على التوفيق بين العلم والإيمان، وجاءت بعده شخصية أخرى مؤثرة ولا تزال، هو فتح الله كولن، الذي ساهم بأفكار أخلاقية وتربوية ومنهجية في تكوين الشخصية الإسلامية التركية الحديثة التي هي جزء من تراثها الإسلامي ولا تنسى انتماءها الغربي والعالمي، توازن دقيق ولكنه مطلوب.

وأردوغان معروف بمواقفه القوية في مواجهات تحسب له، فهو منع استخدام قواعد بلاده العسكرية من قبل القوات الأميركية لغزو العراق، وكان قراره وقتها حاسما وغير قابل للتفاهم، مما اضطر بوش وجماعة المحافظين الجدد الذين يقودونه إلى إيجاد البديل.

وكذلك لأردوغان وقفات ومواقف لافتة مع عنجهية وتسلط السياسة الإسرائيلية المستفزة، فهو الآن يتوعد بردّ ملائم على الأسلوب المذل الذي استدعت فيه الخارجية الإسرائيلية السفير التركي لديها لتبدي اعتراضها واحتجاجها على المسلسل التركي الذي عرض على الشاشات التركية واعتبرته إسرائيل مسيئا لها (المسلسل لا يمكن أن يجمل ما لا يمكن تجميله، الواقع الإسرائيلي هو أفظع وأشد سوءا من أي عمل درامي. هذه هي الحقيقة). أردوغان انتقل (هو ورفيق دربه الرئيس التركي الحالي عبد الله غل) بتركيا من حال إلى حال، فبعد أن كانت تابعة وبلدا متخلفا يحاول اللحاق بأوروبا، أصبحت زعيمة وقائدة في منطقتها تعلب دورا رائدا في التوفيق بين الدول المتصارعة والمختلفة، ووساطتها بين سورية والعراق من جهة وسورية وإسرائيل من جهة أخرى تؤكد ذلك.

تركيا تشهد اليوم طفرة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، وحركة كبيرة في قطاعاتها المختلفة. الصناعة والمصارف والسياحة والاتصالات والتعليم والصحة جميعها بها طفرة هائلة. والعالم الإسلامي يراقب بإعجاب شديد ما يحدث في تركيا ويحاول تقليدها.

وإذا كانت الصادرات التركية للعرب لا تذكر إلا من خلال المسلسلات المدبلجة أو الألحان المسروقة المغناة بالعربي، فهناك الكثير من المسائل المهمة التي تحظى باهتمام العرب اليوم في تقييمهم للتجربة التركية، هي كيف تمكنت دولة كبيرة سكانها فوق الـ60 مليونا بمدن مكتظة بالسكان وتحديات من العالم الثالث ومستوى تعليم متوسط، كيف تمكنت من النجاح الباهر والبعد عن التطرف والحفاظ على الدين؟ معادلة تستحق أن تبحث، والإجابة أن تركيا لديها المناخ السليم لإفراز أردوغان وغيره.

[email protected]