هل تدخل تونس على خط الاعتذار؟

TT

شكلت في الأشهر الأخيرة مسألة ضرورة اعتذار فرنسا للشعب التونسي والتعويض له ماديا، محور جدل ساخن داخل المجتمع المدني، حيث تباينت وجهات النظر إلى حد التضاد التام، إضافة إلى أن طرح المسألة في حد ذاته مثل بدوره موضوعا للتراشق. والجدير بالانتباه أن مسألة طلب الاعتذار والتعويضات لم تتخذ إلى حد الآن صبغة رسمية، بمعنى أن الدولة التونسية لم تتقدم بمطلب رسمي للحكومة الفرنسية، الأمر الذي جعل وزير الثقافة والاتصال الفرنسي فريدريك ميتران يشيد بالصمت الرسمي ويقول أثناء زيارته تونس مؤخرا إن تونس بلد ناضج وأكبر بكثير من حكاية التعويضات.

من جهة أخرى، نلحظ أن مسألة طلب الاعتذار والتعويضات اتخذت في تونس طرحا مختلفا مقارنة بخصائص المطالبة الليبية أو حاليا الجزائرية. فموقف المجتمع المدني في تونس غير متوحد ويتميز بالانقسام، باعتبار أن بعض أطراف المجتمع المدني، ومن بينها الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، وهو حزب معارض، طالبوا بشدة وحماسة بضرورة الاعتذار لتونس عن فترة استعمار دام 75 سنة، وصرف تعويضات مالية. وقد تحصل الحزب المشار إليه على مساندة لمطلبه من المؤتمر الخامس للأحزاب العربية، إضافة إلى تحركات حثيثة تهدف إلى تنسيق مغاربي أكثر فعالية لمطالبة فرنسا رسميا بالاعتذار ودفع التعويضات.

لقيت هذه المبادرة صدى إيجابيا لدى بعض أوساط المجتمع المدني التي عبرت من خلال تصريحات صحافية عن مساندتها للمبادرة، مبرزة أن طلب الاعتذار حق مشروع لا بد من أن تتجاوب معه فرنسا إذا ما رغبت في طي صفحة الاستعمار وما تبعها.

وفي مقابل هذه الأطروحة، نجد مقاربة أخرى مختلفة ترى أن من وصفتهم بممثلي معارضة الموالاة قد خلقوا هذه الزوبعة لأسباب ذات علاقة بالانتخابات لشد الانتباه إليهم من جهة، وللضغط على فرنسا بالنيابة عن الدولة من جهة أخرى، إذ ربط المشككون في خلفية المبادرة توقيت إعلانها بالانتقادات التي وجهتها شخصيات وأحزاب فرنسية لتونس في خصوص ملف حقوق الإنسان.

إن المتأمل في هذه المقاربة يرى أنها تجاهلت بعض النقاط الرئيسة، أهمها: أن مبادرة طلب الاعتذار ليست ابتكارا خاصا ببعض مكونات المجتمع المدني التونسي، وأن بعض الدول المغاربية التي كانت سباقة في المطالبة تعرف علاقاتها مع فرنسا حالات من الشد والجذب في ملفات كثيرة. النقطة الأخرى تتعلق بتوجهات الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الذي يسعى إلى دعم المقاومة من أجل تحرير الأرض العربية في فلسطين والعراق والجولان وسبتة ومليلية وكل أرض عربية محتلة، وتعلن بنوده التأسيسية مناهضته لكل أشكال الاستعمار ومساندته لحركات التحرر. وبالتالي، فإن تزعمه لمبادرة طلب الاعتذار والتعويضات من فرنسا ومحاولة كسب مساندين من الداخل والخارج ليسا بالأمر الغريب عن توجهات الحزب وخليفته.

من ناحية أخرى، ليست هذه المرة الأولى التي توجه فيها انتقادات إلى تونس من طرف بعض الشخصيات الفرنسية أو حتى النخبة السياسية الحاكمة. لذلك فإن اعتبار المبادرة ورقة سياسية للضغط على فرنسا فيه استنقاص للتونسيين الذين لا تنقصهم الغيرة على تاريخهم وذاكرة الألم في مجتمعهم كما هو حال باقي المجتمعات المطالبة بالاعتذار، الذي هو حق بلفت النظر عن كل الخلفيات. وهو ما يعني أنه حتى ولو صدقنا أن البعض يسيس طلب الاعتذار، فإن ذلك لا يُنقص من مشروعية الطلب من الناحية النظرية على الأقل بقدر ما يتطلب وقفة من الجميع ومن دون استثناء، بتوحيد الرؤية والموقف داخل المجتمع المدني التونسي في المرحلة الأولى. فلا شيء يمنع تونس من أن تطلب الاعتذار رسميا، ولا يتقاطع ذلك مع مصالحها وعلاقاتها، وذلك من منطلق أن الاعتذار والتعويضات استحقاق لا يضر بواقع العلاقات بالمصالح المشتركة ولا يعني افتعال خصومة مع فرنسا.