أريد فقط أن أجرّده من عداوته

TT

قلت له بكل تلقائية وسذاجة، أريد نصحه: إنك إذا أكلت ببطء فإنك تأكل كمية أقل.

رد عليّ قائلا وقد ارتفعت حواجبه: يا سلام (!!)، ومن أين لك هذه العبقرية يا فصيح؟! من الذي علمك هذا؟! قلت له: الطبيب.

قال: اسمع، إنني أعرف ذلك قبلك وقبل طبيبك النابغة، فلدي عشرة من الأولاد والبنات، وجميعنا نأكل يوميا على مائدة واحدة، إنهم أشبه ما يكونون (بالسواحيت) السريعة التي لا تشبع، الله لا يبارك فيهم، وكشف لي عن صدره قائلا: انظر لكي تعد عظامي.

* *

هناك رأي صحيح يؤكد أن هناك (ركنا) غبيا في عقل أكثر الناس حكمة وذكاء، ومن ناحيتي أؤكد أنه أيضا قد يكون هناك (ركن) ذكي حتى في عقل أكثر الناس جنونا، ولم تأت اعتباطا مقولة: خذوا الحكمة من أفواه المجانين.وإذا أردتم أن تأخذوا الحكمة من فمي، فليس عندي مانع، (وذنبكم على جنبكم).

* *

كنت أشاهد التلفزيون معه، فظهرت على الشاشة ممثلة ضاربة في القدم، وقد أرهقت وجهها بطبقات من الماكياج، فقلت له ساخرا: انظر إنها ما شاء الله تبدو وكأنها في عز شبابها.

فقال: حقا إنها تبدو كفتاة عجوز في الثانية عشرة من عمرها.

* *

ما أروع ذلك الإنسان الذي انتقدت أمامه موقف إنسان آخر، وأنا أعلم أن ذلك الإنسان قد ظلمه وما زال يناصبه العداء. غير أنه فاجأني بإسكاتي قبل أن أنهي كلامي، وقال لي وكأنه يخرسني: إنني لا أريد أن أجرّده لا من شرفه ولا من ماله ولا من حياته، إنني فقط أريد أن أجرّده من عداوته.

* *

هو رجل صالح بمعنى الكلمة، حاولت أن أتأسى به بشتى السبل دون فائدة، وهو ما فتئ (الله يذكره بالخير) يحثني على الصلاح، معتقدا أن هناك أملا بقدرة العطار على إصلاح ما أفسده الدهر، وما زلت أنا إلى الآن متشبثا بأمله بأن يصلح الله حالي ويعلّي من مراتبي.

المهم التقيت به صدفة مساء في أحد شوارع لندن، وزيادة مني في الحفاوة به أصررت ودعوته إلى تناول كوب من الشاي، قبل دعوتي مجاملا، فما كان مني إلاّ أن أدلف معه إلى ما كنت أعتقد أنه مقهى، وإذا بنا نتفاجأ (يا للهول) أن النادلات كن عاريات النحور، فما كان منا إلا أن نكصنا سريعا على أعقابنا وكأننا قد قُرصنا، وخرجنا إلى الشارع.

اعتذرت منه وسألته بكل براءة كعادتي: هل عمرك رأيت مشهدا كهذا؟!

فأجابني متسامحا وضاحكا: لا لم أر مثله منذ أن (فطمتني) أمي - وللمعلومية هذه الحادثة حصلت عندما كان ذلك الرجل الصالح عازبا - أما الآن، ما شاء الله، فلديه ثلاث زوجات.

[email protected]