على أوباما التمسك برسالة التواصل مع المسلمين

TT

أصبحت رئاسة باراك أوباما، لا محالة، متشابكة مع الشبكة العنكبوتية للإرهاب. فقد صرح أوباما الأسبوع الماضي: «إننا في حالة حرب على تنظيم القاعدة، وسنفعل كل ما يلزم لإلحاق الهزيمة بهم».

ليس أمام أوباما أية خيارات سوى خوض هذه المعركة بقوة؛ في أفغانستان وباكستان واليمن وغيرها من الجبهات التي ستظهر في المستقبل. بيد أنه ليكون فاعلا في هذه الحرب؛ على أوباما أن يكون مخلصا لطموحه في أن يكون أحد صانعي السلام وعاملا من عوامل التغيير. وهذا ما قاد إلى انتخابه وولادة الآمال في جميع أنحاء العالم بأنه يمثل شيئا جديدا.

ولأذكر نفسي برسالة أوباما الأساسية، أعدت قراءة الخطاب الذي ألقاه في يونيو (حزيران) الماضي في جامعة القاهرة بمصر، الذي قال فيه: «لقد أتيت إلى القاهرة للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في جميع أنحاء العالم؛ بداية تستند إلى المصالح والاحترام المتبادلين». وعبرت هذه الجملة عن رؤية استراتيجية واضحة وصحيحة.

وأثارت رسالة القاهرة حماسة شعوب منطقة الشرق الأوسط، لأنها تعاملت مع العالم الإسلامي وتطلعاته بشيء من الاحترام، ولأنها، لنكون صرحاء، جاءت على لسان أميركي من أصول أفريقية، اسمه الأوسط حسين. استشعر الناس ذلك لأن أوباما قدم فرصة خاصة للخروج من «صراع الحضارات» الذي يلوح في الأفق. وهذه الصيغة لصراع لا مفر منه هي بالتحديد الطريقة التي يريد تنظيم القاعدة أن يجعل العالم يفكر بها، بيد أن أوباما كان يعرض شيئا مختلفا.

وعلى وجه التحديد، تعهد أوباما في القاهرة بالعمل من أجل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فقال إن «الوضع بالنسبة للشعب الفلسطيني لا يحتمل». بل إنه حتى أعطى حركة حماس إشارة إيجابية عندما أعلن بوضوح أن «حماس تحظى بالتأييد بين بعض الفلسطينيين».

وأثار كثير من المتشككين تساؤلات حول خطاب القاهرة. وتوقع العرب بأنه إذا امتنعت إسرائيل عن الاستجابة للمطالب الأميركية، فإن أوباما سينفض يده من القضية برمتها. وحذر الصقور في أميركا وإسرائيل بأن أوباما كان ساذجا؛ لأن أعداء أميركا المسلمين لن يقتنعوا بهذا الكلام المعسول عن السلام، فهم لا يفهمون سوى منطق القوة.

ويعتقد المشككون من الجانبين الآن أن الأيام أثبتت صحة موقفهم، نظرا لأن جهود أوباما لتحقيق السلام يبدو أنها أخفقت في الوصول إلى ما تتطلع إليه، حتى في الوقت الذي يصعد فيه من حربه في أفغانستان واليمن. ويبدو خطاب القاهرة وكأنه تذكرة بلحظة ذهبية وجيزة: كلمات جميلة، لكن لا يوجد متابعة لتنفيذها.

لكن في الحقيقة، الاستراتيجية التي طرحها أوباما في القاهرة أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى. يتحدث الناقدون وكأنه ينبغي النظر إلى صنع السلام ومحاربة التطرف الإسلامي باعتبارهما أمرين ينبغي الاختيار بينهما، لكن ما فهمه أوباما قبل عام هو أن الأمرين مرتبطان ببعضهما بعضا. إن أفضل وسيلة لإضعاف المتطرفين في إيران أو تنظيم القاعدة هي إحراز تقدم في قضايا تهم العالم الإسلامي. البنادق وحدها لن تفعل ذلك، وإذا كان الأمر غير ذلك، لشق الإسرائيليون طريقهم نحو السلام منذ زمن طويل.

ستكون اليمن بمثابة اختبار؛ هل يستطيع أوباما محاربة الإرهاب بطريقة أكثر ذكاء مما فعل سلفه، جورج دبليو بوش؟ أقرت الإدارة الأميركية على الفور بأن اليمن معقل متنام لـ«القاعدة». ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي، ناقش مجلس الأمن الوطني قضية اليمن في خمسة عشر اجتماعا للجنة النواب الخاصة به، وعزز أوباما باستمرار الأنشطة العسكرية والاستخباراتية السرية هناك. ويعتقد أن الطائرات الحربية والقنابل الأميركية، على سبيل المثال، استخدمت في الهجوم على معسكرات التدريب التابعة لـ«القاعدة» في اليمن في 17 ديسمبر (كانون الأول).

لكن الجهود الأميركية الرامية إلى مواجهة «القاعدة» في اليمن عرقلتها المشاعر القوية المعادية للولايات المتحدة في هذا البلد. إنها المشكلة نفسها التي توجد في باكستان. لا تستطيع تحسين هذه الحالة من الغضب فقط عن طريق احتساء فنجان من الشاي أو إغداق الأموال الخاصة بالتنمية. يجب أن تعالج الولايات المتحدة القضايا التي يتحمس الناس من أجلها، مثل القضية الفلسطينية.

تسعى الإدارة الأميركية جاهدة لإحياء عملية السلام الفلسطينية المتوقفة. وقيل إن جورج ميتشل، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، يقوم بصياغة اختصاصات المفاوضات وخطابات لطمأنة الأطراف وهي ما ستقدم مزيدا من الوضوح بشأن المواقف الأميركية حول القضايا الأساسية. وأشارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى الخطوط العريضة الأسبوع الماضي عندما دعت إلى «دولة مستقلة قابلة للحياة على أساس حدود عام 1967 مع مبادلات متفق عليها» للأراضي.

وفي الوقت الذي يحارب فيه أوباما تنظيم القاعدة وحلفاءه، فإنه في حاجة إلى أن يكون أوباما، فهو يحتاج إلى مواصلة التعبير عن رسالة القاهرة التي تنادي بالتواصل مع العالم الإسلامي؛ ليس باعتبارها بديلا عن محاربة التطرف ولكن باعتبارها أحد المكونات الضرورية لهذه الحرب. إننا نواجه عدوا يريد استدراجنا على نحو أعمق إلى خوض معركة، بحيث تصبح أميركا أكثر انعزلا وأقل شعبية. إننا نتجنب الوقوع في فخ هذه العنكبوت عن طريق حل المشكلات ذات الأهمية.

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».