المقاومة عندما تنتهي صلاحيتها

TT

في قصر الأونيسكو في بيروت التأم شمل «المقاومات» العربية، كل قائد يذكر ببطولاته. فضائيا حضر رئيس المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله، وشخصيا رئيس المقاومة العراقية الشيخ حارث الضاري، وكذلك رئيس المقاومة الفلسطينية خالد مشعل، مع آخرين مثل سليم الحص الذي لا ندري في أي مقاومة بعد.

كلمة مقاومة صارت بالية مع الوقت، وبسبب سوء الاستخدام فقدت تلك القدسية التي تحاط بها. كيف يمكن لأحد أن يحترم مقاومة في العراق وهو يرى آلاف القتلى استهدفوا عمدا في المدارس والأسواق والمتاجر والبيوت والدوائر الحكومية المدنية؟ وكيف تكون مقدسة في فلسطين وهي بيد تحارب إخوانها الفلسطينيين وبيد أخرى تحرس الحدود الإسرائيلية من خروقات المقاومات الأخرى؟ وكيف صارت اليوم مقاومة بلا وظيفة في لبنان منذ انسحاب القوات الإسرائيلية قبل تسع سنوات تقريبا إلا من حكم اللبنانيين بالقوة.

هذا هو حال المقاومة اليوم. وهو حال كل مقاومة بعد انتهاء صلاحيتها، مثل حزب الله في لبنان صارت مقاومته مشكلة داخلية، حيث تحول عمليا إلى ميليشيا محلية. والمقاومة مجرد عنوان وظيفته الحقيقية محاولة الهيمنة على الوضع الداخلي، بحمل السلاح، وإسكات المعارضين باسم مواجهة العدو. أما في فلسطين، حيث يوجد احتلال وعدو مسلح فإن بعض المقاومة تحول إلى أداة خارجية.

صاروا يشبهون جنرالات الحرب المتقاعدين في ملابسهم العسكرية ونياشينهم الاحتفالية. الفاعلون في دائرة المقاومة يشعرون كيف فقدت الكلمة وهجها لأنها أنهت وظيفتها. بل ينقلب معنى المقاومة إلى مدلول سيئ عندما تفرض فرضا كما نرى اليوم في حال حزب الله الذي صار دلالة طائفية وشخصية، أو هيئة كبار علماء المسلمين، التي ليست هيئة وبلا علماء، مجرد واجهة لتبرير العنف في العراق.

خذوا المقاومة الجزائرية مثلا. انتهت عمليا في عام 62 بعد توقيع وقف إطلاق النار مع المستعمر الفرنسي، لكن قياداتها استمرت تعتبر نفسها مقاومة فوق الجميع، تمن على عامة الشعب أنها حررتهم، فتحكم البلاد وتتمتع بمزايا خاصة حتى بعد مرور ثلاثين عاما من خروج الفرنسيين. ولم يتجرأ أحد على رفع صوته إلا في مطلع التسعينات بعد الانفتاح السياسي، وقد سمعت نقدا ضد امتيازاتهم، مثل احتكارهم وظائف خاصة بهم، بما فيها وظائف سيارات الأجرة دون بقية المواطنين، ودفع مصروفات شهرية بين ثمانين وثمانمائة دولار في الشهر. وطال النقد تعريف المقاوم والتشكيك في حقيقتهم، وأن بعضهم دخل سجلات المقاومة بعد نهاية الحرب، حيث كان يكفي أن يتقدم شخص مع ثلاثة شهود ليدرج في القوائم الحكومية كمقاوم التي كانت مغرية بسبب امتيازاتها.

لقد كانت المقاومة الفلسطينية في لبنان، مثل حزب الله اليوم، تصنف ككلمة مقدسة لا يجوز انتقادها. الآن العكس تماما، حيث يتسابق القادة اللبنانيون من التحذير من الوجود الفلسطيني في لبنان بغض النظر بسلاح أو بدونه.

[email protected]