الكرة الأفريقية!

TT

الذي يتابع مسابقة كأس الأمم الأفريقية التي تجرى هذه الأيام يزداد يقينا بأن الأفارقة سيغدون عما قريب سادة هذه الساحرة المستديرة، فرغم ضعف الإمكانات المادية استطاعت هذه القارة السمراء أن ترى في الكرة تعويضا لأشياء حياتية كثيرة، فهامت في سحرها وتعلقت بها، وغدت مسابقة كأس الأمم الأفريقية «بازارا» عالميا كبيرا لالتقاط المواهب وشرائها للعب في الأندية العالمية، وحال أفريقيا مع الكرة يشبه إلى حد كبير حال أميركا اللاتينية التي لولا الكرة لما عرف عنها العالم إلا القليل.

ولو أن اللاعب الأفريقي حظي بجزء من الإمكانات التي يحظى بها اللاعبون في أنحاء أخرى من العالم لفعل ما لم يفعله الآخرون، فهو رغم كل الظروف الصعبة استطاع أن يفرض نفسه على خارطة الاحتراف العالمي، وأن يوجد بعضهم لمواهبهم مكانا ومكانة في الكثير من الأندية الأوروبية الكبرى، وهو ما عجز عن تحقيقه اللاعب الآسيوي باستثناءات محدودة جدا، فاللاعب الأفريقي يتمتع بلياقة بدنية عالية، ومهارة فردية مميزة، وهو في تعامله مع الكرة أقرب إلى شخصية الفنان من الأداء المبرمج الذي يحكم اللعب في الملاعب الأوروبية، ومن السهل على اللاعب الأفريقي الذي يحترف اللعب خارج قارته السمراء أن يكتسب خاصية اللعب الجماعي، وروح الفريق، وكذلك التحكم في تكوينه المزاجي وفق مقتضيات الاحتراف.

إن مباريات كأس الأمم الأفريقية تمنح المشاهد الكثير من المتعة والتشويق والإثارة، فالمنافسات ساخنة، وتشبه إلى حد كبير مناخات القارة التي تقام عليها، كما أن المسافة بين المنتخبات لم تعد متسعة كما كانت من قبل، وبالتالي فإن الكل يتقاسم الطموح، وليس أدل على ذلك من هزيمة الجزائر المؤهلة لمنافسات كأس العالم من منتخب مالاوي، وكذلك هزيمة نيجيريا - المرشحة الأخرى لكأس العالم - من المنتخب المصري، الذي يعد في تقدير الكثير من النقاد الأكثر استحقاقا للوصول لكأس العالم، فكوكبة اللاعبين التي يضمها المنتخب المصري تعد الأبرز والأهم في تاريخ الكرة المصرية، وليس سوى الحظوظ العواثر التي حرمتهم من التأهل لمسابقة كأس العالم.

ومن النقاد من يتوقع حضورا مميزا لممثلي الكرة الأفريقية في كأس العالم القادمة، وأنهم سيحدثون قدرا من المفاجآت، لكن كسر الاحتكار الأوروبي والأميركي الجنوبي لبطولات كأس العالم قد لا يتحقق قبل مضي عقد من الزمان لو استمرت الماكينة الأفريقية الكروية بنفس سرعتها الحالية، وما يمكن أن يقال: إن أفريقيا قادمة، وإن العروش الكروية التقليدية ليست في مأمن من تقلبات الأيام.

[email protected]