مزيد من فكاهات القمع

TT

أعود لموضوع قمع حرية التفكير والتعبير لسبب شخصي مهم. وهو أنه يمسني أولا ككاتب وثانيا ككاتب يكتب للجماهير العربية. هكذا عشت حياتي كلها وأنا أعاني منه. وأقول الجماهير العربية ولا أقول الحكومات العربية لأنني وجدت أن معظم هذه الحكومات أكثر تقدمية وتحررا من جماهيرنا ، بل من مثقفينا أيضا.

ومع ذلك، فللرقابة تقليعاتها ونكاتها. ومن أقدم ما سمعته عنها في عالمنا من الشرق الأوسط حكاية الرقيب العثماني عندما منع كتاب الكيمياء من الدخول. كان السلطان عبد الحميد الثاني قد أرسل عددا من المبعوثين لدراسة العلوم في ألمانيا. عاد أحدهم حاملا معه كتابه في الكيمياء، لم يفهم الرقيب شيئا منه ولكنه لاحظ تكرر الرمز H20، الرمز الكيمياوي للماء. تأمل فيه وتوصل إلى هذا الاستنتاج، وهو أن H2 ترمز لحميد الثاني وحرف O يرمز لتصفيته وقتله. منع الكتاب من الدخول واعتقلوا التلميذ فورا.

انتشر هذا النوع من الفكاهة والسخرية بصورة خاصة إبان الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية، حتى إن أحد الكتاب، الباحث اللغوي الهنغاري، إيمر كوتونا، نشر مجموعة من 3000 نكتة سياسية شاعت في هنغاريا فقط ضد السلطات الشيوعية. كان منها حكاية الرجل الذي جلس في مكتبة عامة يتصفح مجلة عن السيارات، حملت على غلافها صورة سيارة رولز رويز الإنجليزية وصورة سيارة موسكوفيج السوفياتية. لاحظ رجل آخر ذلك فتطفل وسأل القارئ:

- «أراك تنظر إلى هاتين السيارتين، الرولز رويز والموسكوفيج. أي منهما تعتقد هي الأحسن والأمتن»؟

- «الموسكوفيج من دون شك».

- «أعتقد أنك غلطان. ولا تعرف شيئا عن السيارات».

- «أنا أعرف كل شيء عن السيارات ولكنني لا أعرف أي شيء عنك!».

اشتهر الإغريق تاريخيا بروح السخرية وعادت هذه الروح وتجددت في أيام الحكم العسكري في السبعينات. قالوا التقى الجنرال بابادوبولص بماو تسي تونغ. سأله: كم عندكم في الصين من المعارضين للنظام؟ فأجابه ماو تسي تونغ نحو عشرة ملايين شخص. فقال له الجنرال: هذا بالضبط ما عندنا هنا أيضا في اليونان!

زار رئيس الحكومة إحدى المدارس الابتدائية، فاستغل مديرها الفرصة وتقدم له بما تحتاجه المدرسة من لوازم. اعتذر له بحجة عدم توفر المال الكافي في الميزانية. بعد بضعة أشهر تقدم مدير سجن أثينا بطلبات أكثر وأعلى لإصلاح السجن فوافق وخصصها له. استغرب من ذلك زميله الجنرال ستليو باتوكس. فسأله: لماذا توافق على النفقات على السجن ولا توافق على ما تحتاجه المدرسة؟ أجابه:

«عزيزي ستليو لا أتوقع أن نعود لنقضي حياتنا في مدرسة ابتدائية ولكننا قد نقضي بقية حياتنا في السجن!».

وكانت نبوءة صادقة؛ فبعد بضعة أشهر أسقط النظام العسكري واعتقل رموزه من العساكر.