لكي أكون مفهوما!

TT

في «لجنة الفلسفة» بالمجلس الأعلى للثقافة المصري رصدنا جائزة لمن يكتب أسهل وأوضح. ورأينا أن سهولة العبارة فن وموهبة. وليس كل دارس للفلسفة أو مدرس لها قادرا على أن يكون مفهوما لأقل الناس ثقافة. وما دمنا حريصين على نشر الأفكار الفلسفية الجديدة والبديعة، يجب أن نخاطب المثقفين على قدر استطاعتهم. وضربت مثلا رفيعا بما كتبه المؤرخ الأميركي العظيم ول ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» وكتابه «قصة الفلسفة» وكتابه الجميل «مباهج الفلسفة»، وكلها ترجمت إلى العربية.. وعندما ألف الدكتور زكي نجيب محمود كتابيه، «قصة الفلسفة اليونانية»، و«قصة الفلسفة الحديثة» اعتمد تماما على ما كتبه ديورانت.

وجاءت كتب زكي نجيب محمود في غاية السهولة والجمال. لم يقف أمام معنى غامض ولا أمام مشكلة إلا وأوضحها وجمّلها وساقها إلينا عروسا شكلا ومعنى..

والجائزة مكافأة لكل من يستطيع أن يقدم لنا ما يشاء من المذاهب الفلسفية أو الشخصيات أو النظريات الفلسفية، لأن النظريات الفلسفية الشاقة إذا نقلناها كما هي فقد جعلناها قاصرة على عشرات أو مئات من المتخصصين. ولكن إذا يسرناها وبسطناها ضاعفنا قراءها بالملايين. وهذا هدف وأمل.

وعندي تجربة، ففي سنة 1956 أصدرت كتابي عن «الوجودية» وكان أول كتاب سهل عن هذه الفلسفة، حتى إن هذا الكتاب طبع ثلاث مرات في أسبوع واحد (خمسين ألف نسخة).

قال لي أستاذي عبد الرحمن بدوي، وهو أول من قدم الفلسفات الوجودية الصعبة، قال: أنا لا أستطيع أن أكتب شيئا كهذا. قلت له: أنت تكتب لي، وأنا أكتب للملايين!

فإذا أردنا ملايين الناس تكلمنا بلغتهم ومفرداتهم. وقد لا يكون تعبيرا دقيقا. ولكن من المؤكد أنه تعبير سهل بمفردات قليلة ومقدرة خاصة!