بيطري رئيسا للإخوان المسلمين!

TT

عندما تساءلت: من هذا الـ«البديع» البيطري الذي صار رئيسا لجماعة الإخوان المسلمين، أكبر منظمة معارضة في العالم العربي؟ رد صديق ساخرا: بل من هم «الإخوان»؟

وكلا السؤالين صحيح. ورغم أننا قلناها من باب التهكم جزئيا فهو لا يلغي حقيقة أن هذا التنظيم لا يزال المشروع، بالقول والفعل، السياسي الواضح والحقيقي والفاعل الوحيد في الساحة العربية، وتحديدا في مصر والأردن. ومنظرو الجماعة يبررون الضعف الشعبي القيادي أنه من صالح الجماعة السياسية في مصر أن تكون بلا قيادات لامعة، لكن هذا ليس صحيحا في العمل السياسي، حيث لا تنجح جماعة بلا قائد شعبي، إلا إذا أرادت أن تكون مثل بيبسي كولا وتويوتا، علامة تجارية عامة بلا زعامة شخصية. مشهور والهضيبي وعاكف والآن بديع، كلهم تزعموا الحركة في عقد ونصف مضى، جاءوا ورحلوا أسماء شبه نكرة في الشارع. ومع أن البعض سيقول إن بديع نشط من الستينات وسجن مع سيد قطب في عهد عبد الناصر، لكنه كرمز يبقى نكرة، وربما غياب الزعيم النجم هو ما جعل «الإخوان» دائما بلا تأييد شعبي حاسم، وإن كان لا يجعلنا ننكر أن الإخوان المسلمين حركة سياسية كبيرة وذات مصداقية عالية، كأي معارضة لم تتحمل مسؤولية من قبل تجاه مطالب الناس. ورغم أن «الإخوان» يلومون السلطة الرسمية على حال التخفي التي يعيشونها، ويلجأون للحكم الجماعي على الفردي، فإن إخفاقهم القيادي تبدو أسبابه داخل الحركة.

«الإخوان» انتخبوا مرشدا جديدا مجهولا آخر، محمد بديع، أستاذ في الطب البيطري في جامعة بني سويف. لماذا قلدوه الزعامة وهو صاحب تخصص بعيد، في منصب يفترض اختيار من هو أقرب للاهتمام بالبشر؟ السبب بسيط جدا؛ أن معظم المرشحين الآخرين في قيادة الحزب، أو ما يسمونه مكتب الإرشاد العام، هم مثله، علماء مختبرات وعيادات، لا سياسيين بالاحتراف، بخلاف ما يحدث في كل أحزاب العالم. رفاق بديع في القيادة مثله، أحدهم أستاذ ميكروبات بمعهد البحوث في جامعة الإسكندرية. وآخر أستاذ جيولوجيا في جامعة القاهرة. ويليه مهندس مدني، وبعده أمين نقابة الأطباء ويتولى القسم السياسي في الحزب. وأخوهم رئيس الكتلة ممثل الحزب في البرلمان أستاذ علم النبات. وبقية القيادة أحدهم طبيب، وآخر أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة المنوفية، والثالث جراح أوعية دموية. وهناك أمين عام الحزب رئيس قسم الفيروسات، ومعه أخصائي أنف وأذن، وبعده استشاري نساء وتوليد. هؤلاء هم الذين يحكمون الحزب حاليا. وبين التسعة عشر قياديا لا يوجد من يحمل خلفية «غير علمية دقيقة» سوى واحد مؤرخ، وثانٍ أستاذ علم الحديث في الأزهر.

وهذا يجعل الإخوان المسلمين في مصر أكثر الأحزاب في العالم كفاءة علمية وأيضا أقلها اختصاصا في العمل السياسي.

والعيب ليس في انخراط العلميين في العمل السياسي، لكن العيب في حزب لا يبدو أنه جاذب للآخرين. يمثل حالة تهيمن عليها فئة بطبيعة تربيتها العلمية لا تستطيع النمو والمنافسة والانتقال، بكلمة بسيطة: جماعة «غير سياسية». السياسة علم أيضا يؤخذ بالتجربة مع الموهبة، ومعظم أحزاب العالم وقادته ليسوا علماء فضاء أو خبراء فيزياء، لكن يبدو أن حزب «الإخوان» ضحية نجاحه في المدرجات العلمية.

[email protected]