لا هو يستطيع ولا نحن!

TT

المريض أمامنا يتقلب على نار لا نراها. ويقول: آه.. ونقوله له: سلامتك.. بسيطة وإن شاء الله تزول هذه الغمة. ويقول: آه.. ونحكي حكايات وروايات ونكتا خلنا أنها تخفف عنه. لعله بدلا من أن يقول: آه يقولها ويضحك، وكانت ضحكته لمدة ثانية أو جزء منها.. فهذا أقصى ما يستطيع. ورغم أننا عاجزون عن أن نخفف عنه فإننا ينظر بعضنا إلى بعض ونطلب العون.. أي مزيدا من المرح تخفيفا عنه وعنا.. ولا هو استراح ولا نحن سكتنا. وربما كانت محاولته أن يتظاهر بالرغبة في النوم لكي نترك له الغرفة بعد أن اشهرنا إفلاسنا في التخفيف عنه.. وأغمض عينيه وخرجنا. وجلسنا في غرفة مجاورة يتصدرها تمثال كبير للقلب..

وكان الطبيب قد أدرك حالنا. فوقف ووضع يده على تمثال القلب. ودون أن يسألنا وكأننا طلبة في كلية الطب فقال: هذا العضو يدق عندما نولد ولا يتوقف إلا بالموت. ومتوسط دقاته في العمر كله مليارا دقة ويضخ 500 مليون لتر دم.. أي نحو 340 لترا من الدم في الساعة. وعدد دقات قلب الرجل ما بين 70 و72 وعدد دقات قلب المرأة ما بين 78 و82 دقة في الدقيقة وأحيانا عند الانفعالات الشديدة يصل إلى 200 دقة في الدقيقة.

وقد شجعته الدهشة على وجوهنا أن يضع يده على الرئتين فقال بهما شعيرات دموية عددها 200 مليار إذا وضعت الواحدة إلى الأخرى بلغت 1500 ميل..

وأكبر أعضاء الجسم الإنساني هو الجلد. الذي يتجدد من تلقاء نفسه كل خمسين يوما.. وإذا نحن وزنا الجلد المتساقط في العمر كله فإنه يبلغ 18 كيلوغراما..

آه.. صرخة عالية من المريض. إنه يصرخ ولكن لا يطلب مساعدة أحد.. فالألم شخصي. ولو اجتمع حوله سكان كوكب الأرض فإنهم يعجزون عن تخفيف ما يشكو منه المريض. فالألم كالموت شخصي.. المريض يقول آه ونحن نمط شفاهنا ونهز أكتافنا ونحاول أن ننشغل بآلامنا عنه، لكن لا هو يستطيع لنا شيئا ولا نحن!