للخصوصية مطالب

TT

في أعقاب أسابيع من حكم المحكمة العليا لصالح الأحقية بالحصول على قدر أكبر من خصوصية الاتصالات، اتجهت الكثيرات إلى «فيس بوك» للكشف عن لون حمالات الصدر اللاتي يرتدينها. جاء ذلك في إطار الجهود الرامية إلى التوعية بخطر سرطان الثدي، حيث قامت النساء (غالبيتهم من النساء بحسب اعتقادي) بتحديث صفحاتهن الشخصية على الإنترنت بعبارات مثل «أسود» و«مرقَّط» أو «مموَّه». لكن ذلك أكبر دليل على التناقضات التي تميز عصر الإنترنت: فدولة محبي التعري تطالب بالخصوصية.

وتمثل قضية مدينة أونتاريو ضد كيوون التي ستنظرها المحكمة العليا دليلا على الدستور الحي والمتطور. ربما لم يكن كبير قضاة المحكمة العليا جون مارشال يتوقع أن يؤكد ضابط الشرطة، على استخدامه بند الحماية في الدستور ضد «البحث غير المبرر» كدليل على أحقيته في إرسال رسائل نصية جنسية صريحة إلى عشيقته على صفحة وفرتها له الإدارة. لم يتعرض الضابط للفصل أو العقاب، بل خضع للمراقبة والتأنيب من قبل رؤسائه. لكن محكمة فيدرالية وقفت إلى جانب الضابط مشيرة إلى أن لديه الحق في التمتع بالخصوصية في رسائله النصية».

هناك الكثير من المسائل الشائكة في هذه القضية. وكانت مدينة أونتاريو بولاية كاليفورنيا قد أعلمت موظفيها بأن لا يتوقعوا أي نوع من الخصوصية على الحاسبات الحكومية أو الهواتف أو أجهزة الاستدعاء.

لكن إذا ما اختارت المحكمة العليا أن توسع من نطاق حكمها فسوف يكون التأثير واسعا أيضا. فمن يمتلك فعليا حق تحديث بريد إلكتروني أو رسالة نصية أو صفحة على «فيس بوك»؟ أهو الشخص الذي كتبها، أم أنه مالك الأداة التي تخزن أو توصل الرسالة؟ وعندما يشاهد المشرفون على الموقع الرسائل النصية المنشورة من الأفراد أو الشركات هل سيمرون عليها على أنها أشبه بمفكرة يوميات؟ وهل هناك حق دستوري ينص على أن ترسل إلى عشيقتك رسائل نصية من الهاتف الجوال لرب عملك؟

بيد أن أكثر الملامح تشويقا بالنسبة إلى فضاء الإنترنت لا يكمن في التساؤل بشأن الخصوصية، ولكن الاستخفاف بها، لا الرغبة في حماية الاتصالات الخاصة ولكن في الإصرار على الإعلان عن ألوان حمالات الصدر.

يُعرف الإنترنت بأنه حجر الزاوية بالنسبة إلى الإثارة الجنسية. ففي عام 1996 بدأت جنيفر رينغلي في إذاعة وقائع حياتها الخاصة على الإنترنت بدءا من غسيل أسنانها في الصباح إلى العلاقة الحميمية في المساء. وفي عام 1998 قامت إليزابيث آن أوليفر بتصوير حي لولادتها في بث حي على الإنترنت. كما قام جوش هاريس في عام 2001 ببث لحظة الإعلان عن انفصاله عن خطيبته والانهيار العصبي لاستهلاك الإنترنت.

لكن الثورة الحقيقية للإنترنت كانت في نقل دقائق الحياة الشخصية لكل منا بصورة روتينية. لكن بعض هذه الأحاديث التي تنشر على مواقع مثل «تويتر» أو «فيس بوك» والمواقع الشبيهة بدأت تؤذي الآخرين بسيل دائم من الأفكار العشوائية وهي هواية لا يستطيع كاتب رأي أن ينتقدها. والأمر الأكثر إلغازا بالنسبة إلي هو ميل البعض إلى البوح ببعض الأسرار التي دائما ما كانت حكرا على الأصدقاء المقربين.

لقد أصبحت الشفافية على طرف نقيض مع الصداقة الحميمة. فلم يعد الأمر يقتصر على الشباب المستهتر الذين يصورون بفخر علاقاتهم الحميمية أو الإسراف في الشراب ليلة السبت. وما زلت أجد من الأمور المحزنة أن يعمد البعض إلى الإعلان عن وفاة حبيب لهم على «فيس بوك» أو رسائل التعزية التي ترد من الأصدقاء على الإنترنت الذين يكونون غرباء فعلا.

من المؤكد، أن هناك دوافع كثيرة لتبادل المعلومات الشخصية على وسائل الإعلام الاجتماعية. لكني أتشكك في قيام غالبية الأفراد بالتدوين على الإنترنت. كنت أفكر أخيرا بشأن هذه القضايا خلال تحديث الصفحة الخاصة بي على «فيس بوك» شبه الخالية من الأصدقاء، فمن الذي يكترث إذا قلت إنني استمعت إلى أيرون آند واين أو رشحت لهم فيلم «آلام جان دارك».

بيد أنني أشك في أن بعض هؤلاء المتعرين على الإنترنت وحيدون فهم يرغبون في وضع بعض التفاصيل عن حياتهم - مهما كانت تافهة أو مزعجة أو صادمة - لكي تثير اهتمام أو فضول شخص آخر. قد تكون تلك التفاصيل مهمة لأن حياة كل منا مهمة. لكن إذا كانت الوحدة هي الدافع فمن غير المتوقع أن يشعر الشخص بالارتياح أمام شاشة الحاسب. هذا النوع من الكشف أمر شخصي، فساحة الإنترنت هي عرض الرجل الواحد.

وفي الوقت الذي تبدي فيه أميركا قلقها بشأن الحماية القانونية للخصوصية وتتخلى عن ممارستها، فقد يكون التحفظ في هذه الحالة هو الحل الأفضل، كما كتب الشاعر سي كيه ويليامز: «أخيرا جدا، عدت بذاكرتي إلى سنوات عمري الماضية لأدرك أن ما اعتقدت أنه شكل يوما دليلا على القمع والشهوة الجنسية وأمور أخرى، يبدو الآن في أعين آخرين مرادفات للكرامة والإباء واللباقة».

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»