المشهد السياسي الكردستاني مرشح لصراعات خطرة

TT

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق المقرر إجراؤها في السابع من مارس (آذار) المقبل، يدخل المشهد السياسي الكردي مرحلة صراعات وتوترات تؤشر لاحتمال انفجارات موضعية قد تقتصر على بعض المناطق في محافظة السليمانية. فالخلافات المحتدمة بين الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يشغل أمينه العام جلال طالباني منصب رئاسة الجمهورية، وحركة التغيير التي يتزعمها نائبه السابق في «الاتحاد» نوشيروان مصطفى، بدأت تخرج من إطارها الحزبي إلى إطار أوسع في الشارع الكردي. قد يصح التوقع أن تتم السيطرة على الانفجارات في حال حدوثها في فترة الانتخابات العراقية المقبلة، لكن المخاوف هي أن يشهد الوضع انفجارا خطرا في انتخابات مجالس المحافظات في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لأن كلا من التيارين يتطلع لفرض السيطرة على السليمانية عبر مجلس محافظتها.

في كل الأحوال، تعود جذور الصراعات بين التيارين إلى الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية الكردية في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) المنصرم. في هذا المنحى، يعتقد المراقبون السياسيون المحليون أن السبب في تفاقم تلك الصراعات في المرحلة الراهنة يعود إلى شيئين أساسيين: أولهما أن طالباني يعتزم الترشح لولاية ثانية في رئاسة الجمهورية. لكن قائمة التغيير لا تخفي عزمها على الحؤول دون وصوله إلى الولاية الثانية في حال فازت بعدد مؤثر من المقاعد البرلمانية في بغداد. وثانيهما أن حركة التغيير لا تخفي عزمها على استثمار فوزها بأكثرية المقاعد المخصصة للسليمانية (19 مقعدا) في اتجاه تقليص رقعة نفوذ طالباني في المحافظة والتمهيد لإخراجه من العملية السليمانية في كردستان.

يشار إلى أن بارزاني الذي لا يحبذ حدوث تطورات دراماتيكية في مربع العلاقات بين «التغيير» وطالباني، مخافة أن يؤثر ذلك على محورية الشأن الكردي في العراق، بادر خلال الأسبوعين الماضيين إلى خطوتين: الأولى، أصدر بيانا شدد فيه على ضرورة حل المظاهر السياسية السلبية في كردستان، في إشارة إلى الخلافات بين طالباني ونوشيروان، في إطار قانوني وسلمي. الثانية، عقد اجتماعا مع رؤساء الأحزاب الكردستانية، دعي فيه إلى نبذ الخلافات ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الغريمين. هنا، يصح التذكير بأن بارزاني لا يعترض على وجود خلافات ومنافسات سياسية في كردستان العراق، لكنه يشدد على ضرورة إدراجها في إطار البرلمان الكردستاني، مؤكدا أن المطلوب من الأحزاب والقوى الكردية هو المنافسة السياسية في كردستان والتمسك، في الوقت ذاته، بموقف موحد في بغداد بغية تعزيز القبضة القانونية والسياسية الكردية وتحقيق المطالب الدستورية التي تحاول أوساط في الحكومة العراقية القفز عليها.

معروف أن نوشيروان مصطفى أعلن العام الماضي قيام حركته في إطار قائمة خاضت الانتخابات البرلمانية الكردية عرفت بالاسم نفسه وحصلت على نحو ربع مقاعد البرلمان. معروف أيضا، أن الجذور الأولى لخلافات نوشيروان مع طالباني تعود إلى عام 2006 حينما احتدمت الخلافات بينهما حول أمور تعلقت في الأصل بإصلاحات حزبية ومالية وإدارية. في العام ذاته، استقال نوشيروان من قيادة الاتحاد وشرع في حشد تيار ثقافي في إطار مشروع إعلامي اشتهر بمشروع «وشه – الكلمة».

في ما بعد، أفضى فوز «التغيير» بخمسة وعشرين مقعدا في البرلمان الكردي إلى بروز معادلات جديدة على وتيرة الخلاف بين الطرفين، خصوصا إثر تسنم مرشح الاتحاد الوطني الدكتور برهم صالح منصب رئاسة الوزراء في الحكومة الكردية التي أعقبت الانتخابات. في هذا الخصوص، رأت قائمة التغيير أن صالح لم يعد يمثل الثقل الأساسي للاتحاد الوطني الكردستاني وأن وجوده على رأس الحكومة قد لا يؤدي سوى إلى دفع الأوضاع السياسية والاقتصادية الكردية نحو الأسوأ.

إلى ذلك، أفضى فوز «التغيير» إلى إخراج الصراع بينها وبين طالباني من إطاره الحزبي الضيق إلى إطار كردي أوسع. وكان من شأن هذا أن يتحرك رئيس الإقليم الكردي بشكل سريع في اتجاه إقناع الطرفين بإعادة خلافاتهما إلى إطارها الحزبي ومحاولة حلها في إطار القوانين المرعية. مقربون من بارزاني يؤكدون أن تخوفه ينصب على احتمال تطور نزاعات كهذه، في ظل التدخلات الإقليمية القائمة، إلى اضطرابات في كردستان قد لا تخدم راهن القضايا الكردية ومستقبلها.

في هذه الغضون، يصح القول إن تسنم الاتحاد الوطني رئاسة مجلس الوزراء في كردستان صب مزيدا من الزيت على نار الخلافات بين الطرفين. فأولا، يفتقر رئيس الوزراء برهم صالح إلى قدرات قيادية كافية تؤهله لقيادة الحكومة الكردية بشكل نشط وخلاق. ثانيا، يتميز صالح بفرديته وافتقاره إلى قدرة قبول الآخر وإنصاف حركة التغيير والاعتراف بثقلها البرلماني (25 مقعدا). ثالثا، إن نجاح الانتخابات الكردية في يوليو (تموز) الماضي مهد لتطلع طالباني إلى تسنّم ولاية ثانية في رئاسة الجمهورية في العراق، ما فاقم من مخاوف حركة التغيير وإصرارها على خوض الانتخابات العراقية بقائمة منفردة.

رابعا، إن أوساطا في الحكومة العراقية بدأت تنشط في اتجاه صب مزيد من الزيت على نار الخلافات بين الأطراف الكردية بعدما رأت أن الانتخابات الكردية أفرزت كيانات سياسية جديدة قادرة على إضعاف موقف طالباني في العملية السياسية العراقية. خامسا، إن الفوز الانتخابي في كردستان أصاب حركة التغيير بغرور سياسي لافت، ما عكس نفسه في شكل تعامل فوقاني مع الأحداث. وقد تجسد هذا في إعلان نوشيروان رغبته في خوض الانتخابات العراقية بقائمة مستقلة بعيدا عن أي ائتلاف مع التحالف الكردستاني.

إلى ذلك، تمثل في إقدام نوشيروان مصطفى على نشر جزء من مذكراته حاول فيه الغمز من قناة طالباني ونائبه كوسرت رسول.

لا جدال في أن بارزاني يشعر بإحباط داخلي كبير نتيجة الصراعات بين الغريمين، التي أصبحت تعرقل برامجه الخاصة بدفع تجربة شعبه في ميدان البناء الديمقراطي والسياسي والاقتصادي والعمراني إلى الأمام. لا جدال أيضا في أن ما يضاعف من إحباطه أنه يرى حليفه الاستراتيجي في التحالف الكردستاني وفي الحكومة الكردية، الاتحاد الوطني، يغذ الخطى نحو الانحلال والتفكك عبر دهليز صراعاته الداخلية وعجز قادته عن حل المشكلات التي تواجههم بشكل توافقي.

مع هذا، لا يرى الكرد أن الخطر محدق. فالقناعة الغالبة في الشارع أن وجود بارزاني في موقع رئاسة الإقليم كفيل بامتصاص أي صراع أو انفجار محتمل. والقناعة أن الطرفين، طالباني ونوشيروان مصطفى، سيبديان قدرا أكبر من المرونة على طريق نزع الصاعق عن خلافاتهما.

* وزير الثقافة الأسبق في حكومة إقليم كردستان - الحزب الديمقراطي الكردستاني.