صراع حزب طالباني وحركة التغيير.. خلفياته وتداعياته المستقبلية

TT

يشهد كردستان العراق منذ أشهر، لا سيما بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية، التي جرت في 25 يوليو (تموز) 2009، صراعا سياسيا حادا بين الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، وحركة التغيير، بقيادة نوشيروان مصطفى، وقد صارت تلفت مشاهد وأحداث هذا الصراع اهتمام وخشية الشارع الكردي يوما بعد يوم، وتحتل الصدارة من بين القضايا التي تشغل الحياة السياسية في الإقليم والصحافة الكردية، وكل من تابع الإعلام الكردي في الشهور الستة التي أعقبت انتخابات الإقليم، يلاحظ أن هذا الصراع هو من أسخن الصراعات السياسية التي يشهدها الإقليم بعد الحرب الأهلية التي نشبت بين حزب الرئيس طالباني وحزب الرئيس مسعود بارزني في (1994 - 1998)، بل ربما أكثرها تهديدا لأمن كردستان، الذي يتمتع بحالة أمنية جيدة مقارنة بالمناطق العراقية الأخرى، التي تشهد منذ سنوات، ولا تزال، تحديات أمنية خطيرة.

تفجرت بداية هذه الصراعات تحديدا مع إعلان نوشيروان مصطفى عن قائمة مستقلة لخوض الانتخابات، ورفعه شعار التغيير في وجه الأحزاب الرئيسية في السلطة، والتي تتمثل في الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، الذي ناضل مصطفى في الأخير أكثر من ثلاثة عقود كنائب للأمين العام حتى استقالته منه في ديسمبر (كانون الأول) 2006، وقد راقبنا أن الاتحاد اعتبر، منذ البداية، إعلان هذه القائمة، بمثابة مُخادعة سياسية تعرض لها على يد نائبه المستقيل، الذي يقول الاتحاد، إنه قد قدم له الدعم المادي الكافي الذي وصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، لتأسيس شركة إعلامية، ومركزا للدراسات، طلبه مصطفى من الحزب بعد أن استقال منه، نتيجة للإخفاق الذي مُني به جناحه (الإصلاح) في الانتخابات الحزبية الداخلية أمام نفوذ طالباني، بينما ردّ مصطفى على جميل الحزب هذا، حسب رواية الاتحاد، بإعلان قائمة انتخابية مستقلة ومنافِسة اعتبرها الاتحاد أنها جاءت على حساب قاعدته الجماهيرية، وباستغلال رأسماله الرمزي والمادي لصالح قائمة التغيير والثأر من الاتحاد.

وعندما حصلت القائمة على 25 مقعدا في برلمان الإقليم، وحققت نجاحا في مناطق نفوذ الاتحاد الوطني، وفي محافظة السليمانية تحديدا، رأينا أن صراع الطرفين يزداد سخونة، ولكن هذه المرة على خلفية الاستحقاقات الانتخابية والمستجدات التي تلتها والتي دفعت بالطرفين إلى اتخاذ خطوات وسياسات جديدة تعزز موقع كل طرف في الصراع حيال الآخر، وقد شاهدنا فعلا أن ثمة تطورات مختلفة، ولكنها باتجاه تفاقم الأوضاع أكثر، وتوتير الأجواء نحو الأسوأ، نتيجة لأمرين جوهريين أفرزهما مسار الأحداث، الأول كان عدم حصول قائمة التغيير على مقاعد كافية كفيلة بتشكيل الحكومة، والبقاء على أثر ذلك كمعارضة في البرلمان دون التأثير على تشريع قوانينه وقراراته، والثاني إسراع الاتحاد الوطني، بفعل فقدانه لجزء من قاعدته الجماهيرية، في إجراء إصلاحات حزبية اضطرارية وإقامة المؤتمر المصغر للحزب، وحسم ملف القيادات المنشقة عنه، فضلا عن إصدار قرار حزبي في المؤتمر يُبقي الباب مفتوحا أمام الكوادر والأعضاء التي تركت الحزب، للعودة إليه مجددا، وقد أثرت هذه المستجدات فعلا على مسار الصراع الدائر، فمن جانب لاحظنا أن إخفاق حركة التغيير في تحقيق الوعود التي أطلقتها لمناصريها، سبب خيبة انعكست سلبا على نفوذ الحركة، خاصة بين أولئك الذين راهنوا على وصولها إلى سدة الحكم، ومن جانب آخر، شاهدنا أن الاتحاد يستغل هذا الإخفاق لصالحه، والذي ساهم في إعادة الكثير من كوادره وأعضائه من الحركة إلى صفوف الحزب.

أما الحدث الذي يرى اليوم بعض المراقبين أنه زاد الأجواء تصعيدا بين الطرفين، فقد تمثل في نشر الاتحاد للتقرير الذي قدمه الأمين العام في المؤتمر، للرأي العام، والذي طالعنا فيه اتهام الرئيس طالباني لنائبه السابق نوشيروان مصطفى بالخروج عن منهاج الحزب، واتخاذه قرارات سياسية فردية دون مشاورة المكتب السياسي، وهذا ما اعتبره التقرير أنه عاد على الحزب والحركة الكردية والشعب الكردي وبالا، مشيرا إلى أحداث سياسية وقعت في الثمانينات، أما رد مصطفى على هذا التقرير، بشدة لهجته المعهودة، فقد زاد، هو الآخر، الطين بلة، ومع وقوع أحداث أمنية في محافظة السليمانية، والتي استهدفت عناصر من حركة التغيير، تفجرت الفتنة أكثر واشتدت الحروب الكلامية، مما أدى كل ذلك في الأيام الأخيرة إلى استنفار أمني جعل الأجواء مفتوحة أمام جميع الاحتمالات.

الآن، وبعد تدخُّل لمسعود بارزني رئيس الإقليم، وإصدار بلاغ رئاسي مُطالب بالحد من السجالات الإعلامية بين الأطراف الكردستانية، نشهد عودة الأجواء للهدوء نسبيا، ولكن من دون حسم الخلافات بين الاتحاد والتغيير، ولا يزال إعلام الطرفين غير ملتزم تماما بوقف حملاتهما الإعلامية، وقد يكون ذلك مصدرا للقلق، وطالما ظل البيت الكردي في صراع داخلي كهذا، فلا ريب أن ذلك سيؤثر سلبا على تحالفاته الداخلية في الانتخابات العراقية المقبلة وما بعدها، سيما في ظل تشرذمه، هذه المرة، في أكثر من أربع قوائم انتخابية، يتعذر تمكّن أي منها تشكيل كتلة كردية كبيرة تضمن لها الحصول على مواقع سيادية في مرافق الدولة ومؤسساتها، وعلى الرغم من أن أغلب الأحزاب الكردية بدأت تستوعب مخاطر فقدان الكرد لموقعهم الراهن في العملية السياسية وعواقب تشتتهم، فإنها لا تزال متشبثة بخطابها الحزبي، وهذا ما يقلق الشارع الكردي ويثير خشيته من المستقبل.

* رئيس تحرير مجلة «والابريس» كردستان العراق - الاتحاد الوطني الكردستاني