سنة ساخنة في السودان

TT

بالنسبة إلى مراقب من الخارج، يبدو الكثير مما يحدث في السودان حاليا تمهيدا للانتخابات التي ستجري في أبريل (نيسان) المقبل، مربكا ومثيرا في الوقت نفسه، فالرئيس يتخلى عن قيادة الجيش، والحركة الشعبية في الجنوب ترشح شماليا للرئاسة في مواجهة شريكها في الحكم الرئيس عمر البشير، وحزب الترابي المعارض يرشح جنوبيا، ووسط كل هذا معركة ساخنة مع البرلمان بشأن القوانين المتعلقة بتنفيذ الاستفتاء المصيري للعام المقبل، الذي ستديره الحكومة المقبلة، بينما تقف قرارات المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بدارفور كسيف معلق فوق المشهد كله.

وسط كل هذا، كان هناك تصريح مثير لمسؤول بارز في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) وهو أحد مفاوضي اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب قال فيه، إن انفصال الجنوب عن الشمال أصبح واقعا، وإن الفترة التي تقل عن عام والمؤدية إلى استفتاء 9 يناير (كانون الثاني) 2011 لا تسمح بالوحدة الطوعية، وإن الانفصال هو الأقرب، داعيا إلى علاقة أخوية مستقبلية بين دولتي الشمال والجنوب المستقبليتين.

ومن دون الغرق في تفاصيل المعركة السياسية الداخلية في السودان بين مختلف الأحزاب والتيارات، وهي بلا شك لها انعكاساتها المهمة على الوضع الداخلي هناك، وعلاقات الخرطوم الخارجية، فإن النقطة المحورية محل الاهتمام إقليميا هي استفتاء 2011، الذي سيقود إلى تحديد خريطة السودان، دولة أم دولتان؟ بما لذلك من انعكاسات إقليمية، وترتيبات جديدة تتجاوز حتى المستوى الإقليمي، إلى الدولي، وبالطبع فإن المشهد الذي ستفرزه الانتخابات سيلعب دورا كبيرا في ترجيح اتجاه الأحداث فيما بعد.

والمؤشرات تفيد بأن كلام المسؤول في الحزب الحاكم هو الأقرب للواقعية في استشراف إلى أين يتجه مسار الأحداث في السودان، فخلال العامين الماضيين لم تتوقف المناوشات بين شريكي الحكم، وفي بعض الأحيان كانت المناوشات ساخنة، بينما يبدو الجنوب يؤهل مؤسساته لتكون جاهزة، أما سياسيو الشمال فيبدو أنهم هيأوا أنفسهم نفسيا لاحتمال الدولتين، والكثير من السياسات التي اتبعت في السنوات السابقة كانت لا بد أن تقود إلى ذلك، وحتى دوليا وإقليميا، هناك مؤشرات تفيد بأن هناك تحسبا وبوادر استعداد للتعامل مع الواقع الجديد الذي قد ينشأ.

ولا يعني هذا استحسانا لوضعية انفصال الجنوب عن الشمال، فالوضع الأفضل والأمثل، هو بقاء السودان موحدا متعددا، وهو أيضا لمصلحة الجانبين سياسيا واقتصاديا، كما أنه على الرغم من أن كل التصريحات ليست مسألة حتمية، فإنه إذا نشأ وضع جديد بعد الانتخابات يستطيع إقناع أطراف العملية السياسية هناك بأن هناك مستقبلا مشتركا أفضل فقد تتغير الصورة الحالية، وقد يحتاج ذلك إلى معاونة من أطراف عربية وخارجية، سياسيا واقتصاديا.

وأيا يكن الخيار الذي سيتجه إليه السودانيون، فإن ذلك لن يكون نهاية العالم، ويجب الاستعداد له، وقبول الخيار الذي سيخرج به الاستفتاء، والأهم هو عدم العودة إلى القتال، والاستنزاف، تحت أي ظرف من الظروف، ففي النهاية فإن حقائق الجغرافيا هي التي ستحكم الجميع، والشمال والجنوب لن يستطيعا تغيير الجغرافية التي تربطهما أيا يكن الشكل السياسي الذي يحكمهما.