اتلم المتعوس على خايب الرجا

TT

من هو الذي لا يبحث عن فتاة أحلامه ليقترن بها، ويعيش معها (بالتبات والنبات، ويخلفان صبيانا وبنات)، يملأون حياتهما بهجة أحيانا، ويطينونها في أكثر الأحيان (بستين نيلة منيلة).

ولكن هذه هي الدنيا، وأبلغ وصف ينطبق على مؤسسة الزواج هو: أن تلك المؤسسة ما هي إلاّ عبارة عن غرفة ليس فيها أي نوافذ ولها باب واحد، العزاب يدفعون الباب من الخارج يريدون الدخول، فيما المتزوجون في الداخل يجاهدون ويدفعون الباب من الداخل يريدون الخروج.

قد يكون في هذا الوصف شيء من التجنّي والمبالغة، غير أن فيه أيضا شيئا من الواقع المرير، وأهم شروط الزواج من وجهة نظري هو التفاهم المنطقي الذي يتطلب أحيانا بعض التنازلات من كل طرف للآخر، بدون ادعاء ولا تجريح.

من أروع الأمور في هذه الحياة (السكن المريح)، ولا أقصد بالسكن المنزل أو الدار، لا أبدا، ولو أنه كان كذلك لأصبح سكان القصور هم أسعد خلق الله على وجه الأرض، ولكنني أعني بالسكن المريح، هو (الأمان) ولا شيء قبله وبعده، فمتى كان الإنسان آمنا في أهله وعياله وداره، كان كمن ملك الدنيا وما فيها حتى لو كانت داره عبارة عن كوخ أو عشة (فراخ).

ما لي أنا ولهذا الحديث، وكأنني تحولت دون أن أدري إلى مصلح اجتماعي، والواقع أنني نسيت نفسي، ولم أفطن إلى ذلك إلاّ في هذه اللحظة، وهذه الشخصية المحترمة أي شخصية المصلح الاجتماعي لا تنطبق عليّ لا من قريب أو بعيد، بل إنها تتناقض كليا مع شخصيتي المنطلقة (على حل شعرها).

ولكي أعمل (EXIT) وأخرج من الموضوع قليلا ثم أعود إليه أقول: إنه من المعروف أن أسوأ المرضى هم الأطباء، فالطبيب عندما يمرض يصبح عبئا على كل من يريد علاجه.

كما أن (الفيلسوف) إذا أراد أن يتزوج يتحول إلى (متخلف) رغم منطقه، فله شروط تكاد تكون تعجيزية، وقلما نجح فيلسوف في حياته الزوجية.

وإليكم ما ذكره لي أحد الفلاسفة عندما شاهدته متهافتا على رغبته في الزواج، وسألته مستفسرا عن المواصفات التي يطلبها في عروسته، ففاجأني بقوله:

لا أريدها جميلة فيطمع بها غيري، ولا دميمة فتعرض عنها نفسي، ولا طويلة فأرفع لها هامتي، ولا قصيرة فأطأطئ لها رأسي، ولا بدينة فأسدّ عليّ منافذ النسيم، ولا رفيعة فأحسبها خيالي، ولا بيضاء مثل الشمع، ولا سوداء مثل الشبح، ولا غنية فتعيّرني بمالها، ولا فقيرة فنشحذ معا، ولا ذات منصب فتتحكم فيّ، ولا مجردة منه فتفقد الشخصية، ولا يؤوسة فتغلق الدنيا بيأسها، ولا طموحة فلا تترك لي من الخير شيئا.

وعندما وصل إلى هذا الحد اضطررت أن (أخرسه)، ولو لم أفعل ذلك لاستمر في شروطه التعجيزية السخيفة هذه إلى مطلع الصبح، عندها قلت له: حلال عليك العزوبية يا سيدي، واترك الزواج لأهله، فلا كعبا بلغت ولا كلابا.

وإنني أستدرك الآن في آخر لحظة وأقول: إلا إذا كانت هناك فتاة تقبل أن تعيش مع فيلسوف هذه هي شخصيته، وتنطبق عليها كذلك كل المواصفات التي يطلبها، عندها الله يعينها، وسوف (يتلم المتعوس على خايب الرجا).

[email protected]