سرقات صديقة

TT

عندما أكرر القول، مرة بعد أخرى، أنني ساذج، أو جاهل، في أمور الحساب والاقتصاد، وكل ما يتعلق بهما، فذلك من أجل ألا أخدع الناس، وكي لا يأخذ أحد برأيي، ولكي أدفع عن ضميري أي مسؤولية محتملة. إنها مجرد خواطر لا أكثر. وعندما بدأت عملية الدمج الهائلة بين الشركات العالمية الضخمة، أذهلتني أول الأمر. والسبب عدم معرفتي بطبيعة العمليات ومحاسنها أو مخاطرها. ثم خطر لي أمر إنساني آخر: لماذا هذا التوحش؟ لماذا تريد شركة حجمها 80 مليار دولار أن تضاعف الرقم؟ ولماذا دائما على حساب الموظفين والعمال؟ الألوف منهم.

بلغت موجة الدمج، في مرحلة ما، أرقاما مفزعة. وكذلك بلغ عدد الموظفين المصروفين وعائلاتهم. ولم يستمر ذلك طويلا. سرعان ما بدأت الشركات المندمجة في الانشقاق والانفصال. وبدأت الرساميل الكبرى في الانهيار وبدأ الطمع البشري في الكشف عن آفاقه ومساوئه.

أصغيت إلى جيري لفن يعتذر للذين بدد أموالهم قبل عشر سنوات في صفقات «تايم وورنر – أول» التي بلغت 164 مليار دولار. قال إنه «آسف جدا جدا ونادم على ما ألحق من أذى بعشرات الآلاف». ولكن ماذا ينفع الاعتذار وقد تحولت أموال العالم إلى رماد، بسبب مخيلات مريضة بالغرور والطمع وخلو المشاعر. وقال جيفري إيملت، رئيس «جنرال إلكتريك»، إن جيله قد «سقط في الدناءة والطمع».

تلك هي أخلاقية ما سمي «ثقافة السوق». أي الخضوع لفظاظة العرض والطلب دون الأخذ في الاعتبار أي عناصر أو عوامل أو انعكاسات بشرية. لقد سرق برنارد مادوف من الناس 50 مليار دولار. والذين تسببوا في بطالة ملايين البشر وفي أكبر أزمة اقتصادية في التاريخ، ليسوا أقل خسة وشرا منه. تبدو أرقام البطالة في أوروبا وأميركا منذ وقوع الأزمة الكبرى، أسوأ مع ما حدث في انقطاع مسيرة التقدم العلمي والاقتصادي في العالم الصناعي. وتبين أن لا فرق إطلاقا، بين رجال المال والسلطة، الذين سرقوا 120 مليار دولار في روسيا قبل عقدين، وبين رجال الأعمال الأميركيين والغربيين، الذين نهبوا أضعاف ذلك، ولكن بالاعتماد على ثقوب القانون، الذي اعتاد في أي حال، أن يحمي المرتكبين وليس الضحايا.

تشبه التضحية بأموال الناس ثم الاعتذار عنها، حكاية «الثيران الصديقة» في الحروب، التي تقتل الناس أو الجنود، ثم تعتذر عن الخطأ فوق المقابر.