الناشط السياسي يوسف القرضاوي!

TT

ها نحن مرة أخرى أمام معادلة رجل الدين والسياسة، والنجم الدائم فيها هو الدكتور يوسف القرضاوي، والحديث هنا ليس عن فتواه التي دعا فيها إلى رجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بل عما جاء بحواره الصحافي الأخير في صحيفة «الشروق» المصرية، حيث بدا القرضاوي وكأنه ناشط سياسي، لا رجل دين.

ففي تلك المقابلة امتنع القرضاوي عن الخوض في مسائل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتحديدا عن سؤال: «كيف ترى أزمة جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة؟»، حيث اكتفى بالقول: «أظن أن الأزمة انتهت بانتخاب الإخوان لمرشد جديد، وأفضّل عدم الحديث في هذا الموضوع، ولا أريد أن أتدخل في قضية الإخوان بعد انتخاب المرشد». بينما لم يترك أمرا سياسيا إلا وعلق عليه في الحوار، من السياسة الأميركية، إلى دور تركيا وإيران في المنطقة، والقضية الفلسطينية، والتفاوض، وغيره، منتهيا بانتخابات مصر الرئاسية، حتى أنه وجه نصيحة إلى جمال مبارك يطالبه فيها بعدم الترشح في الانتخابات.

إلا أن أهمية هذا الحوار الصحافي تكمن في أنه كشف كيف يطوع القرضاوي الدين لخدمة أهدافه السياسية، ففي نفس الحوار انتقد القرضاوي بناء مصر للجدار على حدودها مع غزة، ورد على مقولة إن الجدار هو حماية لأمن مصر القومي، بالقول إن «هذا خطأ يكرس القطرية ولا تقوم به عروبة ولا إسلام»، حتى أنه انتقد من يروجون لشعار «مصر أولا».

كما شن القرضاوي في نفس المقابلة الصحافية، وعلى خلفية الانتخابات الرئاسية المصرية، هجوما قاسيا على النظام الحاكم بمصر بلغ حد القول بأنه «لن تستعيد مصر مكانتها وعافيتها ودورها إلا بفتح نوافذ الحرية»، مضيفا: «فلا بد أن تفتح الأبواب على مصراعيها وتظهر الشخصيات وتتنافس، فالديمقراطية الحقيقية هي الحل، وليست المزيفة».

وهنا نقول: حسنا يا مولانا.. فأي نموذج علينا أن نتبع في حديثك، الديمقراطي: الذي يقول بسلامة البلاد وحماية أمنها، والحفاظ على مصالحها أولا وأخيرا، والاستجابة لرغبة الناخب، وخدمته، من تنظيف الشوارع والصحة والتعليم، إلى عدم الزج به في الحروب العبثية، أي على طريقة «مصر أولا»، أم أن علينا أن نتبع رؤية الإخوان المسلمين التي تحدث بها القرضاوي نفسه وفي نفس الحوار عن الجدار والتي قال فيها إنه يكرس القطرية ولا تقوم به عروبة ولا إسلام، وبالتالي لا مواثيق دولية؟

فكيف يحتج القرضاوي على جدار غزة منطلقا من مبدأ إلغاء الحدود، وهو الأمر الذي يوافق آيديولوجية الإخوان المسلمين، ثم يحتج القرضاوي نفسه على النظام الحاكم بمصر باسم الديمقراطية؟ بل كيف سمح لنفسه أن لا يخوض في موضوع «إخوان» مصر، محترما لخصوصيتهم، ثم يخوض في كل مسائل العالم العربي والإسلامي؟ فلماذا لا يحترم القرضاوي أيضا خصوصية المسلمين في المهجر مثل ما احترم خصوصية «إخوان» مصر؟

فلا يمكن لنا أن نفهم، أو نفسر، حديث القرضاوي إلا أنه تدليس سياسي، أو استغلال للدين، وقد يكون تقية إخوانية سياسية جديدة من أجل تضليل الرأي العام العربي، والمصري.

[email protected]