حجر رشيد.. يعود من غربته!

TT

مصر بتاريخها وبأمجادها.. تدين لهذا الحجر البازلتي الأسود - حجر رشيد - الذي كشف طلاسم كتابات الفراعين العظام على المعابد والمقابر والمسلات والأهرامات التي كانت قبل اكتشافه مجرد رسوم وعلامات بكماء صماء.

وحكاية هذا الحجر اللغز.. بدأت عندما نزل جزء من الحملة الفرنسية على مصر في مدينة رشيد على ساحل البحر المتوسط، حيث تلتقي مياه نهر النيل بمياه الأبيض المتوسط، وأعجبوا بالمدينة وهوائها النقي، وسحرهم أهل المدينة وصناعاتهم اليدوية ومراكب صيدهم الصغيرة ومنازلهم الجميلة. وقام سلاح المهندسين بعمل تعديلات على أبراج قلعة قايتباي برشيد، وأحاطوها ببناء من الطوب الأحمر لكي تكون مركزا لحامية تدافع عن أحد مداخل البلاد ضد أي غزو إنجليزي.

وخلال شهر يوليو (تموز) من عام 1799 والشمس تلهب الأجساد عثر أحد الجنود الذي كان يعمل تحت إمرة الضابط بوشار على حجر من البازلت الأسود في أثناء حفر أساسات أحد الجدران، وقد سجل على سطحه نقش بالخط الهيروغليفي يليه نص ديموطيقي وآخر باليونانية القديمة.. أدرك علماء الحملة الفرنسية مدى أهمية الحجر وأطلقوا عليه اسم «حجر رشيد» أو «Rosta Stone»، خصوصا إذا ما صح افتراضهم أن ما سجل على الحجر هو نص واحد نقش بالخطوط الثلاثة، ومنها اليونانية القديمة التي كانت لا تزال معروفة. وانضم الحجر إلى قائمة الآثار التي جمعتها الحملة الفرنسية، إلى أن هُزم الأسطول الفرنسي على يد الإنجليز وكانت المعاهدة في 1801 التي بموجبها خرج الفرنسيون من مصر ووضع ضمن شروطها أن تؤول ملكية حجر رشيد إلى الإنجليز، ووافق الفرنسيون على ذلك، حيث إن الحجر لم تكتشف أهميته التاريخية بعد، ولأنهم قاموا بعمل عدد من النسخ الشمعية منه أرسلوها إلى فرنسا لدراستها، وانتهى مقام حجر رشيد في أحد الأركان المظلمة بالمتحف البريطاني بقسم النحت بالطابق السفلى من المتحف.

وعلى الرغم من أن إنجلترا ملكت الحجر فإن الفرنسيين هم من توصلوا إلى حل لغزه على يد العالم اللغوي الفذ فرنسوا شامبليون الذي يعود إليه الفضل في حل رموز اللغة المصرية القديمة. وأصبحت الأشكال الآدمية والحيوانية والنباتية وغيرها من الهيئات المرسومة على جدران المعابد والمقابر الفرعونية حروفا تنطق بأسرار الفراعنة وإبداعهم في شتى مجالات العلم والحضارة، التي أصبحت كتابا مفتوحا لكل قارئ يريد أن يغذي عقله بقصص وحكايات مصرية تنطق بواحدة من أعظم الحضارات القديمة.

من هنا عرفنا مدى أهمية حجر رشيد، الذي سلبه محتل من محتل دون أي ذنب للبلد المحتل.. وخرجت أهم وثيقة تاريخية لمصر بهذا الشكل الذي لا يمكن لضمير قبوله. وبدأت منذ اللحظة التي أصبحت فيها مسؤولا عن آثار مصر في محاولة استعادة حجر رشيد وقطع أثرية أخرى أعتبرها بمثابة مفاتيح أصيلة للحضارة المصرية تنطق بعبقريتها وتفردها.. وبدأت عمليات جس النبض بيننا وبين المتحف البريطاني، وسبحان الله! بعد أن كان حجر رشيد مهملا وقمنا بالمطالبة بإعادة التفكير في إعادته إلى موطنه الأصلي مصر، اهتم الإنجليز به ووضعوه في صدر قاعة مضيئة بأسلوب عرض باهر، وطلبت من الإنجليز أن يعيروه لنا لكي يوضع في المتحف المصري الكبير الذي من المتوقع الانتهاء منه خلال سنوات قليلة لكي يكون ضمن معروضات المتحف عند افتتاحه نظرا لأهميته العظيمة في الحضارة المصرية..

فماذا كان رد الإنجليز؟

قالوا لنا إنهم يريدون في البداية التأكد من وسائل الحماية والتأمين المتبعة في المتحف المصري الكبير، وهم يعلمون جيدا أن هذا المتحف هو مشروع عملاق بكل المقاييس ولا يوجد متحف في العالم في حجمه أو معروضاته، وأن وسائل الحماية والتأمين وضعت بواسطة شركات عالمية متخصصة في هذا المجال.. ومعظم الشعب الإنجليزي يؤيد عودة الحجر إلى موطنه الأصلي مصر، بل لا نغالي إذا ما قلنا إن الشعب الإنجليزي لا يعرف لماذا تتمسك إدارة المتحف بهذا الحجر الذي لن نسكت أبدا حتى نستعيده إلى مصر في يوم من الأيام ولو بعد ألف عام..!

www.zahihawass.com