استراتيجية جديدة لـ«القاعدة».. وأوباما في حاجة إلى خطوة مماثلة

TT

في أعقاب محاولة التفجير الفاشلة على إحدى الطائرات في يوم عيد الميلاد ومقتل سبعة من عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان بعد ذلك ببضعة أيام، فإن واشنطن مهووسة، كما كانت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، بـ«النقاط»، وعجزت عن الربط بينها. وقد صرح الرئيس أوباما بأن: «الحكومة الأميركية كان لديها المعلومات الكافية لكشف هذه المؤامرة، وربما إحباط هجوم عيد الميلاد، لكن استخباراتنا أخفقت في الربط بين هذه النقاط». لكن على الرغم من كل هذا الكلام، فإنه لم يتم بعد الربط بين نقطتين رئيسيتين، وهما عمر الفاروق عبد المطلب، الذي حاول تفجير الرحلة 253 على طائرة تابعة لشركة «نورث ويست» للخطوط الجوية، وهمام خليل أبو ملال البلوي، عميل وكالة المخابرات المركزية الأميركية الموثوق به الذي تحول إلى قاتل. وعلى الرغم من أن الأول، وهو طالب نيجيري يدرس الهندسة وعمره 23 عاما، والثاني، وهو طبيب أردني يبلغ من العمر 36 عاما، لا يبدو أن بينهما الكثير من العوامل المشتركة، فإن كليهما يجسد استراتيجية كبرى جديدة تتبناها «القاعدة» بنجاح منذ عام على الأقل.

وخلال العامين الماضيين، تشدق المسؤولون الأميركيون مرارا وتكرارا بنهاية «القاعدة». ففي مقابلة أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» في شهر مايو (أيار) عام 2008، بشر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية آنذاك، مايكل هايدن، بـ«الهزيمة الاستراتيجية القريبة» لهذا التنظيم. وجرى الاحتفال على نطاق واسع بالهجمات المكثفة للطائرات من دون طيار، التي أمر بها الرئيس أوباما لضرب أهداف تابعة لـ«القاعدة» في باكستان العام الماضي، وذلك لأنها أسفرت عن مقتل أكثر من نصف القيادة العليا في التنظيم.

ومع ذلك، فمن الغريب لحركة إرهابية يفترض أن تكون في مراحلها الأخيرة، أن تشن هجومين منفصلين في نهاية الشهر الماضي بينهما أقل من أسبوع واحد - أخفق أحدهما ونجح الثاني - مما تسبب في المراجعة الأكثر شمولا للسياسات الأمنية الأميركية منذ عام 2001. ويعد هذا النشاط الجديد الذي تنعم به «القاعدة» أخيرا نتاجا لاستراتيجية جديدة تخدم قدرتها على تكوين الشبكات وتعوض ضعفها العددي. وعلى النقيض من الخطة التي اتبعتها قيادة تنظيم القاعدة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي كانت تهدف إلى توجيه ضربة قاضية للولايات المتحدة، فقد تبنت هذه القيادة الآن استراتيجية «الموت بألف جرح» أو الموت البطيء. وتوجد خمسة عناصر أساسية لهذه الاستراتيجية.

أولا، تركز «القاعدة» بشكل متزايد على الهيمنة علينا وتشتيتنا وإرهاقنا. ولتحقيق هذه الغاية، تسعى «القاعدة» إلى غمر أنظمتنا الاستخباراتية الوطنية، المثقلة بالفعل بالمعلومات، في عدد كبير للغاية من التهديدات والضجيج في الخلفية. وتأمل «القاعدة» أن تشتت هذه المعلومات انتباهنا وتستنفد قوانا إلى حد كبير يجعلنا نغفل الخيوط الرئيسية، مثل تلك التي أتت قبل أعياد الميلاد، والتي ربطت بين عبد المطلب ومؤامرة لـ«القاعدة» لتفجير إحدى الطائرات.

ثانيا، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، عززت «القاعدة» استراتيجيتها المتعلقة بالحرب الاقتصادية، فقبل خمسين عاما، توعد رئيس الوزراء السوفياتي، نيكيتا خروشوف، الأميركيين بقوله: «سندفنكم». أما الآن، يأتي تهديد «القاعدة» ليقول: «سنؤدي إلى إفلاسكم». وعلى مدار الأعوام الماضية، أصدر تنظيم القاعدة بيانات ومقاطع مرئية ورسائل صوتية وخطابات على الإنترنت، معلنا عن تحركاته ضد الأنظمة المالية الغربية، ومفتخرا بإحداث الأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من أن هذه الادعاءات قد تكون خالية تماما من الصحة، فليس من الضروري أن تكون الدعاية حقيقية ليتم تصديقها، حيث تترك هذه التأكيدات صداها لدى الجماهير التي تستهدفها «القاعدة».

وتتكلف الإجراءات الأمنية التي جرى تعزيزها بعد مؤامرة يوم عيد الميلاد، مقرونة بالتطوير المحتمل لتكنولوجيات أكثر تقدما لفحص المسافرين والتكنولوجيات المتعلقة بالاستخبارات، الكثير من الأموال في الوقت الذي تشكل فيه الحرب في أفغانستان استنزافا ضخما للموارد الأميركية. ونظرا لانعدام الاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة وفي الخارج، يبدو أن «القاعدة» تعتقد أن استراتيجية الاستنزاف المالي ستؤتي ثمارا هائلة.

ثالثا، لا تزال «القاعدة» تحاول إحداث الانقسامات داخل التحالف العالمي المحتشد ضدها عن طريق استهداف الشركاء الأساسيين في هذا التحالف. وكان الهدف من الهجمات الإرهابية على أنظمة النقل الجماعي في مدريد عام 2004 وفي لندن عام 2005 هو معاقبة إسبانيا وبريطانيا على مشاركتهما في الحرب في العراق والحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب. وتواصل «القاعدة» هذا النهج في هذه الأيام. وعلى مدار العامين الماضيين، جرى إحباط مؤامرات إرهابية خطيرة في برشلونة وأمستردام، دبرها حلفاء تنظيم القاعدة في باكستان وهدفت إلى معاقبة إسبانيا وهولندا على مشاركتهما في الحرب على الإرهاب.

وفي هذه الأثناء، تستهدف العمليات الانتحارية والتفجيرات العشوائية في أفغانستان وحدات عسكرية من دول مثل بريطانيا وكندا وألمانيا وهولندا، التي تراجع بها التأييد الشعبي لنشر القوات في هذا البلد، على أمل الإسراع في سحب قواتهم من التحالف الذي يقوده حلف «الناتو».

رابعا، تتوسع «القاعدة» بقوة في الدول الفاشلة والمناطق التي يغيب عنها حكم القانون وتقوم بزعزعة استقرارها واستغلالها. وفيما تظل الولايات المتحدة منشغلة بمحاولة تأمين الدولة الفاشلة بالأمس - أفغانستان - فإن «القاعدة» منشغلة بترسيم حدود منطقة جديدة. وتنظر هذه الشبكة الإرهابية إلى الدول الفاشلة على أنها توفر فرصا لتوسع انتشارها، وتقوم هذه الشبكة بحملات تخريب محلية للإسراع من سقوط هذه الدول. وعلى مدار العام المنصرم، عززت الشبكة من أنشطتها في أماكن مثل باكستان والجزائر والساحل والصومال، وعلى نحو خاص في اليمن.

وبمجرد أن تكتشف «القاعدة» منطقة يغيب عنها القانون أو تساعد في خلقها، فإنها تقوم بتوجيه حلفائها والجماعات الإرهابية التابعة لها في هذه المنطقة لتعزيز قدراتها على تنفيذ هجمات محلية وإقليمية ودولية، كما أوضحت مؤامرة شركة «نورث ويست» للخطوط الجوية. وعلى الرغم من تباين العدد الأكيد لعملاء «القاعدة» في كل من هذه المناطق، وأنه في بعض الحالات قد يشمل عددا قليلا جدا من الإرهابيين المتشددين، فإنهم يؤدون مهمة بالغة الأهمية، فمساعدتهم للجماعات الإرهابية المحلية تشمل تأييد الهجمات - عن طريق توفير الأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية - والمساعدة في نشر الدعاية، وهي على الدرجة نفسها من الأهمية. ويتم ذلك، على سبيل المثال، عن طريق إنشاء مواقع إلكترونية وإطلاق مجلات على الإنترنت على غرار مجلات «القاعدة».

خامسا وأخيرا، يطمع تنظيم «القاعدة» في تجنيد عملاء من دول غير مسلمة، والذين يمكن نشرهم بسهولة للقيام بهجمات في الغرب. وينظر قادة التنظيم إلى مثل هؤلاء الأشخاص - خاصة المتحولين إلى الإسلام الذين لن يتسبب مظهرهم وأسماؤهم في خضوعهم لفحص شديد مثلما قد يفعل الأشخاص من الدول الإسلامية - على أنهم الطابور الخامس والأخير. ويفضل في ذلك، على نحو خاص، مواطنو الدول التي تشارك في برنامج الدول غير المطالبة بالحصول على تأشيرة مسبقة لدخول الولايات المتحدة، حيث يمكنهم التحرك بحرية بين الدول الغربية والاندماج بسهولة في هذه المجتمعات.

وأصبحت «القاعدة» أكثر مهارة في استخدام الإنترنت للعثور على هؤلاء الأشخاص الراغبين في أن يكونوا إرهابيين وإمدادهم بالدعاية. وخلال الثمانية عشر شهرا الماضية، قال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية والبريطانية: «إن أكثر من 100 فرد من هذه الدول أنهوا التدريبات في معسكرات التدريب الإرهابية في باكستان وتم إرسالهم إلى الغرب للقيام بعمليات إرهابية».

وفي سياق تبني هذه التكتيكات وتطويرها، تعد «القاعدة» حركة انتهازية وذكية، فهي تراقب دفاعاتنا باستمرار في محاولة منها لتحديد الفجوات والفرص الجديدة التي يمكن استغلالها. ويقوم عملاؤها بتعقب جلسات الاستماع في الكونغرس وتحليلات الخبراء وتقارير وسائل الإعلام، وجميعها تقدم معلومات استخباراتية استراتيجية. وبمزج هذه المعلومات بجهود المراقبة، تغلبت الحركة على الكثير من الإجراءات الأمنية التي وضعناها في طريقها.

ويؤكد مسح للأحداث الإرهابية خلال السبعة أشهر الماضية فقط على تنوع التهديدات الموجهة ضدنا وتنوع التكتيكات التي تستخدمها «القاعدة». وشملت هذه الأحداث عملاء متشددين مثل البلوي، وهو العميل المزدوج الذي خدع الاستخبارات الأميركية والأردنية لقتل عدد أكبر من عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية أكثر مما فعل أي شخص آخر في أكثر من ربع قرن. وشملت هذه الأحداث أيضا عملاء خامدين مثل ديفيد هيدلي، الذي كانت جهوده الاستطلاعية لـ«عسكر طيبة»، الحليف القديم لـ«القاعدة»، حيوية في الهجوم الانتحاري الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) في مومباي. ويوجد أيضا المجندون المتحمسون مثل عبد المطلب، الذي حاول تفجير طائرة تابعة لشركة «نورث ويست» للخطوط الجوية، ونجيب الله زازي، الأفغاني المقيم في الولايات المتحدة الذي تم القبض عليه في نيويورك في سبتمبر الماضي واتهامه بالتآمر لتنفيذ عملية إرهابية انتحارية في هودسون على شاكلة تلك التي حدثت في مومباي. ومن بين الأمثلة الأخرى، ما يسمى بـ«الذئاب الوحيدة»، مثل الميجور نضال حسن، المتهم بقتل ثلاثة عشر شخصا في قاعدة «فورت هوود» العسكرية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وعبد الكريم محمد، الذي تحول إلى الإسلام، وقتل، بعد عودته من اليمن في شهر يونيو (حزيران) الماضي، جنديا وأصاب آخر بجروح خارج مركز تجنيد تابع للجيش في ليتل روك.

إلا أنه في الوقت الذي تجد فيه «القاعدة» طرقا جديدة لاستغلال نقاط الضعف لدينا، فإننا عالقون في نمط الردود المتأخرة، بدلا من ترقب تحركاتها وتطوير الاستراتيجيات الوقائية. ولم يكن «الفشل المنهجي» للتحليل الاستخباراتي والفحص الأمني في المطارات الذي أشار إليه أوباما أخيرا مجرد نتاج للبيروقراطية المجزأة أو الإهمال في الجانب التحليلي، لكنه ناتج عن العجز عن إدراك الاستراتيجية الجديدة لـ«القاعدة».

تتناول البنية الأمنية الوطنية التي تم وضعها في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر تهديدات الأمس، وليس تهديدات اليوم، وبالتأكيد ليس تهديدات الغد. إنها رائعة في الرد والاستجابة، لكنها ليست كذلك في التفوق في الحيلة والذكاء. وفي ظل توسع قواتنا العسكرية في العراق وأفغانستان وإنهاك التهديدات المتعددة لجهاز الاستخبارات لدينا، فإنه من الضروري التوصل إلى منهجية جديدة في التعامل مع الإرهاب.

قال أوباما إنه «في السباق الذي لا ينتهي أبدا لحماية بلدنا، ينبغي علينا أن نحافظ على تقدمنا بخطوة على خصم ذكي». وتحدث عن الحاجة إلى إصلاح الأنظمة الأمنية في المطارات وجهاز الاستخبارات، لكن كان بمقدوره، بل كان ينبغي عليه، الحديث عن الحاجة إلى استراتيجية جديدة لمسايرة استراتيجية «القاعدة».

وبشكل ملحوظ، وبعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ما زلنا غير قادرين على فهم عدونا المتطور والديناميكي فهما تاما. وندعي النجاح في الوقت الذي يعيد فيه العدو توحيد صفوفه، ونحصي القادة الذين تم اغتيالهم في الوقت الذي تحاك فيه المزيد من المؤامرات المخادعة. هناك حاجة إلى تدمير «القاعدة» نهائيا. سيتم إنجاز ذلك ليس فقط عن طريق قتل الإرهابيين والقبض عليهم - حيث إننا يجب أن نواصل ذلك - ولكن عن طريق كسر دائرة التطرف والتجنيد التي تدعم هذه الحركة أيضا.

* أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، وأحد كبار الباحثين في مركز مكافحة الإرهاب بالأكاديمية العسكرية الأميركية

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»