آخر أيام الطائفية؟

TT

لبنان السياسي هذه الأيام لا حديث له سوى تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري عن نيته تأسيس هيئة لإلغاء الطائفية السياسية. وما إن قالها نبيه بري حتى ارتفعت الأصوات وبحدة، ما بين المؤيد والمحذر والرافض. لبنان بلد طائفي بامتياز، قام على الطائفية ويسير عليها، بلد يزيد عدد الطوائف الرسمية فيه على العشرين طائفة، وللطوائف انتشارها الجغرافي الواضح، وكذلك لكل من الطوائف اللبنانية الكبرى جريدتها ومحطتها الإذاعية ومحطتها التلفزيونية وناديها الرياضي وحتى مطربها أو مطربتها الرئيسية. نعم هذا هو الوضع في لبنان، الطائفية هي جزء أساسي وكلي من الحياة، ولم يكن الفنان زياد الرحباني مبالغا ولا مخطئا حين ألف معزوفته الشهيرة «يا زمان الطائفية» فهي تصف حال لبنان. المسيحيون في لبنان خائفون من هذه الهيئة، ويعتقدون أن إلغاء الطائفية السياسية ستكون على حسابهم، لاعتقادهم بأنهم من سيكون المعني والخاسر الأكبر جراء ذلك، فلديهم القناعة أن أعدادهم في لبنان آخذة بالتناقص نظرا لهجرات الكثيرين منهم جراء إحساسهم بالخوف والظلم، ويستشهدون أن المسيحيين اليوم لا يشكلون سوى 25% فقط من المناصب الإدارية في البلاد. لبنان الاستقلال لم يذكر في وثيقة استقلاله تقسيم المناصب الكبرى من رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو رئيس برلمان بين الطوائف ولكن «الجاهزية» للطائفية السياسية هي التي جعلت الزعماء يحولونها إلى قانون وعُرف غير مكتوب. وبعد اتفاق الطائف (وكم كانت صدفة قدرية هائلة أن يكون اسم المدينة الطائف مع تقنين الطائفية السياسية اللبنانية الجديدة)، أصبحت التقاسيم الطائفية السياسية جزءا من النظام ومعترفا بها. والكنيسة المارونية اليوم تقول إنه يجب إلغاء الطائفية من النفوس قبل إلغائها من النصوص، وهذا مطلب تعجيزي، فالطائفية لا يمكن إلغاؤها من النفوس بالمطلق ولكن يمكن حماية الناس منها بالنصوص، ومشكلة أخرى تؤثر على مصداقية هذا الطرح المطالب بإلغاء الطائفية السياسية، على الرغم من أهمية ونبل الطرح وجدارته، وهي أن «باب النجار مخلع» ! فطارح هذا الشعار الأستاذ نبيه بري عُرِف (كغيره من الزعماء) بالجنوح الشديد باتجاه طائفته ومنطقته وكان يصر على أن تؤول كافة الحصص بالتعيينات الإدارية المختلفة، التي له حق التأثير عليها، لأبناء طائفته، وبالتالي هناك أقوال تتردد «لماذا لا يبدأ نبيه بري بنفسه في تبني هذا الطرح فنرى التوازن الطائفي حوله؟» لبنان بالكاد أفاق من أزمة تشكيل الحكومة والملغمة بالطائفية والمسماة تلطفا بالوفاق الوطني، ولم تمض الفترة الكافية على تثبيت أدائها، وبالتالي هناك الأهم ثم المهم. هناك الكثيرون ممن يراقبون أبعاد ونتائج هذا الطرح لأنه بطريقة أو بأخرى سيؤثر على مناطق أخرى في العالم العربي، فظاهرة «اللبننة» تحولت إلى مصطلح سياسي نراه جليا في العراق واليمن والسودان، ونخشى انتشاره في مناطق أخرى مؤهلة لذلك. الطائفية السياسية تظهر في المجتمعات الهشة غير القادرة على أن تتحول إلى مجتمعات سوية وعادلة لأسباب مختلفة ولكنها في النهاية ظاهرة مرضية بحاجة لعلاج فوري وحاسم.

[email protected]