تأثيرات شبكة الإنترنت على السياسة.. ما لها وما عليها

TT

في لحظة خاطفة ومشرقة في أواخر الحملة الانتخابية في عام 2008، كان الديمقراطيون يعتقدون أنهم أصبحوا يمتلكون شبكة الإنترنت؛ بعدما ظلوا يراقبون خصومهم الجمهوريين لعقود طويلة وهم يستغلون وسائل الإعلام البديلة لجمع الأموال، وحشد أصوات الجماهير، وإثارة حماستهم.

ففي السبعينات، كان المحافظون من الرواد في استخدام الرسائل البريدية لجمع التبرعات.

وفي أوائل التسعينات، كانوا يهيمنون على البرامج الإذاعية التي يشارك فيها الجماهير من خلال الاتصالات الهاتفية. وفي بداية عهد بوش، كانوا يستحوذون على القنوات الإخبارية الكيبلية.

ولكن شبكة الإنترنت كانت أمرا مختلفا؛ حيث إن الرسائل البريدية، أو برامج المتصلين الإذاعية، أو القنوات الكيبلية كانت في الأساس الإرث التكنولوجي للمحافظين، وكانت تستهدف المواطنين كبار السن أو سكان الضواحي متوسطي العمر، ولكن الإنترنت موجه إلى الشباب، المطلع على أحدث صيحات التكنولوجيا، متعدد الثقافة، والليبرالي في الوقت نفسه. وبالتالي فإنه إذا ما كانت قناة «فوكس» الإخبارية هي صوت الحزب الجمهوري، أصبحت «غوغل»، و«يوتيوب»، و«فيس بوك» صوت الحزب الديمقراطي.

وكان ذلك صحيحا تماما خلال الحملة الانتخابية في 2008؛ ففي السباق الانتخابي الذي كان لا يعرف المرشح الجمهوري به كيف يستخدم شبكة الإنترنت، كان باراك أوباما هو الإنترنت: أنيق، متنوع، وشامل؛ فقد هيمنت حملة أوباما الانتخابية على جمع التبرعات من خلال شبكة الإنترنت، وحشد الجماهير إلكترونيا للاقتراع، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الاجتماعية.

وبالتالي تم تحويل ذلك الفضاء الافتراضي إلى امتيازات واقعية من خلال جمع التبرعات، وتعزيز حماسة الجماهير، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته الشبكة خلال يوم الاقتراع نفسه.

وبعد عام من الانتخابات، ما زال الديمقراطيون يحتفظون ببعض مزايا ذلك الاستغلال لشبكة الإنترنت، ولكن الأمر تراجع إلى حد كبير منذ أن تولى الرئيس أوباما منصبه. فقد استولى رجال السياسة الجمهوريون على موقع «تويتر»، كما أصبح لسارة بالين نحو 1.2 مليون مؤيد على «فيس بوك»، كما أن المرشح الجمهوري سكوت براون لانتخابات مقعد ماستشوستس كان قد استغل شبكة الإنترنت في جمع التبرعات؛ فقد تمكن براون يوم الاثنين الماضي من جمع 1.3 مليون دولار أميركي من خلال شبكة الإنترنت. كما تشير التقارير إلى أن حملته الانتخابية كانت قد حصلت على مليون دولار يوميا طوال الأسبوع.

ويبدو مشهد ذلك السباق الانتخابي الإلكتروني مماثلا لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ولكن على النقيض منها حيث يحظى براون بالشعبية بدءا من مشاهدي «يوتيوب» إلى جماهير «فيس بوك» وصولا إلى مؤيدي «تويتر» في مقابل خصمه الديمقراطية مارثا كوكلي.

وفي رسالة تم نشرها أخيرا على موقع تويتر بعنوان (كيف إذن؟) لماركوس موليتساس صاحب المدونة الشهيرة «دايلي كوز»، قارن ماركوس بين حملة براون وحملة بول هاكيت للحصول على مقعد أوهايو لانتخابات مجلس النواب في عام 2005. فنظرا لأنه كان ليبراليا ديمقراطيا يخوض الانتخابات في مقاطعة يسودها المحافظون، لم توافق النتائج التطلعات المرجوة منها يوم الاقتراع. ولكن حملته الانتخابية كانت إرهاصا على الدور الذي لعبته شبكة الإنترنت في دفع الديمقراطيين إلى القمة في 2006 ثم في 2008.

انتهى السباق الانتخابي في ماستشوستس بفوز براون، ولكن براون أثبت أنه لا توجد صلة حتمية بين الحشد من خلال شبكة الإنترنت والسياسات الليبرالية؛ حيث تلعب الآيديولوجيا بشبكة الإنترنت - على غرار الوسائل السياسية السابقة عليها - دورا أقل من مستوى الغضب في الحزب الحاكم، ودرجة الحماس التي يبثها المرشح المتمرد.

كما أنها تماثل كافة الساحات السياسية الأخرى في قدرتها على تحطيم آمال المثاليين. وبالفعل، كانت أكثر قسوة بالنسبة للحالمين؛ لأنها تقدم إحساسا مزيفا بالحميمية مع رجال السياسة؛ فمثلا يمكنك أن تصبح صديقا لسارة بالين على «فيس بوك»، أو إضافة المرشح ضد باراك أوباما على هاتفك الجوال. ولكن واشنطن ستظل هي واشنطن، والعملية التشريعية ستظل هي العملية التشريعية؛ وما زالت قوة المجتمع الإلكتروني أقل من قوة النافذين.

وذلك هو الدرس القاسي الذي تعلمه النشطاء السياسيون عبر شبكة الإنترنت من خلال العام الأول الذي قضاه أوباما في منصبه. كما تراجعت الوعود بالشفافية أمام الصفقات التي تعقد في الكواليس، ومنيت المحاولات الحثيثة لتحويل المجتمع الإلكتروني - الذي نشأ بمصاحبة الحملة الانتخابية - إلى قوة سياسية دائمة بالفشل. وفي تعليق حديث على الموقع الإلكتروني «بيرسونال ديموكراسي فورام»، رصد ميكاه سيفري الشعور غير المبرر بالغضب من حوكمة الرئيس أوباما قائلا: «لم يكن الناس الذين صوتوا لصالحه منظمين بطريقة مختلفة أو متميزة، كما أن المصالح الخاصة كانت هي أولى البطاقات على الطاولة وهي التي حددت قائمة الأولويات. فما حدث هو أن أحلامهم تحطمت على أرض الواقع».

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الليبراليون أنهم قد تحرروا من الوهم، فإن من يحاكونهم في جناح اليمين على وشك تلقي خيبة أمل قاسية؛ حيث إن إدارة أوباما قطعت مسافة معقولة باتجاه تنفيذ أجندة يساندها النشطاء اليساريون على شبكة الإنترنت، في الوقت الذي يحتشد فيه اليمينيون حول السياسيين الذين يعدون بتقييد الحكومة دون تقديم أي سيناريو معقول لكيفية تحقيق ذلك. وعندما تعهد سكوت براون بتخفيض شامل على الضرائب والتخلص من العجز في الموازنة على الفور، كان يضع حجر الأساس لخيبة الأمل التي سوف يتعرض لها المحافظون.

وربما يكون ذلك في الصالح العام؛ حيث كانت شبكة الإنترنت تعد في بعض الأحيان بوعود مثالية وكانت في بعض الأحيان تستطيع تحقيقها. (فربما كان الدعم المالي الذي تلقته هايتي سيكون أقل وأبطأ وأقل فعالية إذا ما كانت الكارثة وقعت في عصر ما قبل شبكة الإنترنت).

ولكن في الإطار الذي تتمركز حوله عملياتنا السياسية فربما تحتاج تلك المثالية إلى قدر من الواقعية والذي لا يمكن الوصول إليه إلا عبر التجارب القاسية. ومن الأفضل أن يتعلم اليمين واليسار على حد سواء درسهم سريعا؛ فالتكنولوجيا تتغير ولكن السياسة تظل كما هي.

*خدمة «نيويورك تايمز»