إن من البيان لسحرا

TT

الأميركيون يخافون من التحدث أمام الناس أكثر من خوفهم من الموت! هذا ما أظهرته دراسة مهمة نشرتها صحيفة «صنداي تايمز» وتبعتها دراسات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة المرة لدى معظم الناس. هاجس الخوف من التحدث أمام الآخرين حسب الدراسة هو السبب الأول الذي يخيف الأميركيين بنسبة 41 في المائة في حين أن نسبة من يعتبرون الموت السبب الأول لخوفهم لم تتجاوز 19 في المائة فقط!

وقد شعرت بأهمية أن تكون متحدثا جيدا حينما شاهدت كيف دوت كافتيريا جامعة جورج واشنطن بأميركا بالتصفيق الحار من قبل الطلبة والأكاديميين الذين ملأوا القاعة، إعجابا برئيسهم الأميركي المفوه، الذي أبدى رباطة جأش عالية، وهو يتحدث إلى القاضي في أثناء محاكمة علنية يندر حدوثها في العالم، عبر شاشات التلفزة، وذلك على أثر إقامته لعلاقة غير شرعية مع المتدربة الحسناء في البيت الأبيض. وكان كلينتون في موضع لا يحسد عليه، ووصفه بعض الشرقيين ومنهم العرب بأنه «موقف مخز وفاضح»، وهو يفند للقاضي الحجج والاعتراف بالذنب، بثقة عالية بالنفس، ثم خرج من المحاكمة كما تخرج «الشعرة من العجين».

وليس هذا فحسب، فكم من مذنب أو مقصر في عمله قلب أجواء اللوم والتوبيخ إلى إعجاب وتأييد، وربما اشتهر السياسيون في هذا المنحى، ولذا قيل إن «السياسي الناجح هو من يقنع الناس بأن ما يفعله هو الصحيح». غير أن فن الخطابة لا يتوقف عند أهل السياسة، فكل منا يحتاج إلى القدرة على التعبير ليدافع عن نفسه أمام زوجته أو أصدقائه أو زملاء العمل أو حتى المساهمين في الشركة التي يقودها، وهو ما يجرنا إلى السؤال الذي طرحته علي إحدى القارئات: هل القدرة على الخطابة أمر مكتسب أم فطري؟

واقع الحال يقول إن هناك من تدرب تدريبا جيدا فصار خطيبا ماهرا يشار إليه بالبنان، وهناك من «وهبه الله» هذه الخصلة فصارت مهمته أسهل. الدكتور رالف سميدلي قرر أن يجد حلا للراغبين في تطوير قدراتهم الكلامية، فأسس قبل 80 عاما منظمة «التوستماستر» العالمية Toastmaster لتعليم الناس فنون الخطابة والاتصال. وما يميز هذه المنظمة عن الدورات التدريبية والمحاضرات النظرية أنها تعتمد على مبدأ «التعلم بالممارسة العملية» من خلال إلقاء الخطب بصورة نصف شهرية يقيمها زملاؤهم. إذ لديها منهج تعليمي معتمد طور عبر سنوات طويلة من النقاشات والممارسات العملية حيث تدرب أعضاء المنظمة على فنون الخطابة بأنواعها الجادة والفكاهية والمهنية وغيرها. تتلخص الفكرة في انضمام الشخص إلى نادي «التوستماستر» في بلده ليمارس عمليا تلك المهارات المقدمة عبر منهج عملي مدروس وممتع. وقد شاهدت بنفسي خطبا قصيرة مذهلة لمرتادي أندية «التوستماستر» في الوطن العربي وحول العالم. هذه المنظمة مثال عملي على إمكانية أن يكتسب البعض مهارة فن الخطابة بالممارسة، ولكن حبذا لو كانت معها بوادر فطرية في شخصية الفرد ليكون تأثيره أكثر قوة. موقع المنظمة هو toastmaster.org.

مهما كان مقدار خوفك أو هلعك عند التحدث أمام الناس، كن على يقين أنه شعور مؤقت سرعان ما سيزول بعد بضع دقائق، إذا كنت متمكنا من مادتك. ولكن إذا استمر الخوف طويلا، فربما يعود ذلك إلى عدم التحضير الجيد لخطبتك، أو أنك لم تدرب نفسك على التحدث أمام الناس، فبالتدريب يمكن لكثير من الناس أن تتطور قدراتهم، ويؤثروا في الآخرين تأثيرا ساحرا، كما سحر كلينتون شعبه وصدق القائل «إن من البيان لسحرا».

*كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]