أنجح ثورة للعبيد في التاريخ!

TT

في أغسطس الماضي نزلت الأمطار سيولا على جزيرة هايتي. فقتلت وأغرقت وأتلفت وشردت. وكأن غضب السماء ليس كافيا لهدم الجزيرة على أهلها فجاء الزلزال الذي فتح بطن الأرض لربع مليون مواطن ومعهم بيوتهم وكل أداوت حياتهم. وازداد أهل الجزيرة عطشا وجوعا. وامتدت أياديهم تطلب المساعدة من الدنيا. وسوف يجدون الماء والطعام ولكن لن يكون لهم بيوت ومأوى قبل سنوات..

وجزيرة هايتي - التي هي نصف جزيرة - كان اسمها سان دومنجو، أما النصف الآخر فهو دولة الدومنيكان.. وكانت مستعمرة فرنسية. وكان الاستعمار بمعناه الشنيع. فصاحب الإقطاع يملك الأرض ومن عليها من العبيد. وعدد العبيد في هذه الجزيرة في القرن الثامن عشر خمسة أمثال سكانها من البيض. وكان البيض هم الإقطاعيون وهم الذين يعذبون السود بالضرب والسجن والتجويع. وكانت الجزيرة غنية بالبن والسكّر والدخان وغيرها. وصارت فرنسا غنية بسبب هذه الجزيرة التي تبيع كل شيء لفرنسا ولا تشتري إلا من فرنسا..

ولما قامت الثورة الفرنسية سنة 1789 تنادي بالحرية والمساواة والعدل والأخوة كان ذلك زلزالا لكل الشعوب التي تتطلع إلى تحطيم أغلالها وتطفو على سطح الدنيا الحرة..

وإذا كانت هايتي ستدخل التاريخ كواحدة من ضحايا الزلازل. فمن المؤكد أنها سوف تدخل التاريخ من أبواب عديدة. إنها صاحبة أعظم وأنجح ثورة للعبيد في التاريخ.. فما هي إلا سنوات من الغضب وإحراق البيوت والمزارع وقتل البيض بالسموم التي برعوا فيها، حتى نالت استقلالها سنة 1804. وكان استقلال الجزيرة شرارة أشعلت الغضب في أماكن كثيرة من أميركا اللاتينية. وحاولت فرنسا أن تسترد شيئا من ماضيها الذهبي - هم وحدهم الذين كانوا يملكون الذهب. ولكنها لم تستطع فقد وقف العبيد لأنهم تمرسوا على الغضب والسخط والتربص بالإقطاع الفرنسي الذي هو تكذيب رسمي لكل مبادئ الثورة الفرنسية.

وبعد هذا الزلزال البشع ظهر رجال الدين وكأنهم يحاربون معركتهم الأخيرة يقولون: إن الذي أصاب الجزيرة هو لعنة السماء لأنهم قد تحالفوا مع الشيطان. وكانت المادة الأولى في هذا الحلف طرد الفرنسيين أينما وُجدوا. وطرد كل مستعمر في كل أرض.

وهي صيحات بلا صدى. فما سمعها أحد. والذين سمعوها وجدوها مناسبة ليضحكوا وسط هذا الحزن على نصف مليون ميت ومفقود ومريض!