حيث حياة الفلاة أسوأ من موت الركام

TT

بعد النجاة من الركام، تأتي المسألة الأكثر صعوبة في هايتي: كيف يمكن للناجين أن يتعالجوا وأن يأكلوا وأن يبقوا على قيد الحياة، حتى تلك الحياة التي اعتادوا عليها، وهي، في غالب الأحيان، لا تشبه من الحياة شيئا. والذي دمر عاصمة هايتي وقتل وشرد وأصاب ودفن، عشرات الآلاف، لم يكن الزلزال. ولو كانت درجة الهزة الأرضية اثنتين أو سبعا، على مقياس ريختر، لظل المشهد واحدا. فالقاتل الحقيقي هو دولة مهترئة قائمة على الفساد وبطش المخابرات والسحر الكريه، أو «الفودو»، ومنح رخص البناء السيئ والتالف.

أسس الحكم في «بورت أوبرنس» دكتاتور جاهل سمي «بابا دوك». وقام حكم «بابا دوك» على تخدير الفقراء ونشر «ثقافة» «الفودو» حيث يمكن للساحر أن يقرأ مستقبلك، مثلا، بذبح دجاجة وابتلاع دمائها ثم الرقص حول عنقها المقطوع. وبالحد الأقصى من التجهيل والفساد والظلم، حكم هايتي ابنه، جان كلود دوفالييه، سنوات قليلة، ثم أسقط وهرب إلى أوروبا، ومات فقيرا يتصدق عليه مهاجرو هايتي.

تتالى ورثة دوفالييه على الحكم الذي بني على أسوأ أنواع الفساد، وأمعنوا في السرقة والاستباحة. والتفتت الولايات المتحدة ذات مرحلة إلى ما يحدث في بورت أو برنس، ثم تركت كل شيء على حاله في بلد يجني فيه المواطن 2.200 دولار في العام، فيما يحصل جاره في الدومينكان على 8.200 دولار في العام.

كان يمكن أن تكون الكارثة أصغر بكثير في بلد تضربه الأعاصير والفيضانات والمجاعات ولا يقدم فيه الحكم سوى رجال المخابرات، كما صورهم غراهام غرين في رواية رائعة، حاول من خلالها أن يلفت انتباه العالم إلى أن أول دولة تحررت من العبودية في وجه نابليون أصبحت كلها في أغلال ونير حاكم فظ وجاهل.

قالت امرأة من بورت أوبرنس وهي تبحث عن مكان «لائق» تدفن فيه والدها: «لقد كنا محظوظين حقا، فإننا وجدنا جثة ندفنها. سوانا دفن الركام أحباءهم». لا يمكن التأمل في هذه المأساة البشرية التي ضربت هايتي، من دون أن نفكر في المسؤولية الدولية طوال الأعوام الماضية، في التغاضي عما كان يحدث لهذا الشعب على أيدي حكامه.

يروي بوب هيربرت، مراسل «ديلي نيوز» النيويوركية السابق في بورت أوبرنس، أن رجلا جاءه ذات يوم في شاحنة صغيرة ومعه والده، ورجاه أن «يهربهما إلى أميركا لأنهما سوف يعيشان هناك، أما هنا فسوف يموتان من الجوع. أرجوك أن تأخذهما».