غث قادم!

TT

لتكريس الكذبة لا بد أن توثقها، والكلمة كانت ومنذ القدم وسيلة توثيق مقنعة وفعالة للغاية تحقق المراد وبأدنى التكاليف. تستعد دور النشر في الغرب لاستقبال سيل «سيئ» من كتب المذكرات والسير الذاتية لرموز إدارة جورج بوش الابن وهي الفترة الرئاسية الأسوأ في التاريخ الأميركي، وذلك بحسب نخبة مهمة من المؤرخين والمحللين. أول الكتب التي ستصدر ستكون بقلم وزير المالية السابق هانك بولسون وفيه سيروي بدايات الانهيار المالي الكبير وكيفية توصيله لخبر سقوط شركة «ليمان براذرز» للرئيس بوش في سبتمبر (أيلول) 2008، ورد فعل بوش على هذا الخبر الكبير، وبعد ذلك وفي شهر مارس (آذار) تحديدا، يصدر كتاب كارل روف وهو عراب وصانع الشخصية السياسية لجورج بوش الابن وأهم وأقرب مستشاريه، وفيه سيوضح أساليب البرامج الانتخابية التي كان يتبعها وأهمية الطرح الآيديولوجي الذي تبناه الرئيس، وفضيحة تسريب معلومات عن عميلة وكالة المخابرات المركزية الأميركية للصحافة لكشف هويتها.

وفي الخريف سيصدر كتاب دونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق الذي يلام على وضع خطة ضعيفة وغير مدروسة للحرب على العراق، وذلك بالاستعانة بأعداد عسكرية ضعيفة وغير مجهزة بالعتاد الكافي والمناسب، وقد وعد رامسفيلد أن يكون الكتاب سردا كاملا لحياته وليس لحقبة عمله مع بوش الابن فقط. وفي نفس الفترة سيصدر كتاب جورج بوش الابن نفسه وفيه يستعرض في مذكراته التي أطلق عليها اسما غريبا وهو «نقاط القرار» يستعرض فيها حياته ومنها توقفه عن تعاطي الكحول وترشيحه ريتشارد تشيني لمنصب نائب الرئيس وغزوه للعراق وتفاعله البطيء مع كارثة كاترينا. وفي نفس الوقت يصدر كتاب زوجته السيدة الأولى السابقة لورا بوش وتتناول فيه المواقف المهمة التي مرت عليها كزوجة قبل وأثناء فترة زوجها الرئاسية المليئة بالجدل. وآخر الكتب التي ستصدر كتاب نائب الرئيس الأميركي السابق ريتشارد تشيني وهو يعده بعناية وبصورة شخصية ووعد أن يتحدث في كل المسائل بلا خجل، وهناك ترقب كبير لمذكراته نظرا لدوره المركزي في كافة قرارات الرئاسة البوشية وبشكل غير مسبوق لشخص في منصب نائب الرئيس الذي كان منصبا شرفيا وسلبيا وخصوصا أن تشيني شخص «مؤدلج» سياسيا بشكل هائل وهو لا يزال مقتنعا جدا بغزو العراق ووسائل التعذيب والتنصت والسجون السرية وغيرها من القرارات الخطيرة وغير المسبوقة في السياسة الأميركية. بوش تلقى 7 ملايين دولار من دار النشر لشراء حقوق كتابه وهو نصف ما حصل عليه الرئيس الأسبق بيل كلينتون لقاء كتابه، الذي جاء مخيبا للآمال نظرا لأنه لم يكشف عن أي خبايا وأسرار كان يتطلع لمعرفتها الناس. أما كارل روف فحصل على مبلغ مليوني دولار وهو الآن يعمل محللا سياسيا لدى محطة «فوكس» الإخبارية المعروفة بتطرفها. أما ناشر كتاب دونالد رامسفيلد فصرح بأن وزير الدفاع السابق لم يحصل على مبلغ مقدم، ولكنه فضل أن يحصل على حصة من مبيعات الكتاب كنسبة مئوية من العوائد. وكعادة تشيني في إبقاء الأمور سرية وفي طي الكتمان لم يتم الإعلان عن المبالغ التي حصل عليها نظير كتابه المنتظر. قد يكون من غير اللائق الحكم المسبق على ما ستتضمنه هذه الكتب، ولكن بالحكم على النهج الذي اتبع من قبل رموز هذه الإدارة، لن يكون في هذه الكتب من الحكمة ما سيشفع لأصحابها، وليس هناك من أدلة تدين أصحابها إلا أرتال الضحايا الأبرياء الذين سقطوا جراء قرارات ومواقف. حرية الكلمة تكفل لأصحابها قول ما شاءوا، ولكنّ للناس عقولا وقلوبا يعقلون بها، وبالتالي هذه «الزمرة» لا تزال تحاول أن تقول إنها كانت على حق وأن تبرر أقوالها وقراراتها، والحكم على ذلك واضح بأنهم كانوا على خطأ.

كتب ستصدر وعلى الأرجح ستباع بآلاف النسخ، وأترحم هنا على آلاف الأشجار التي اقتطعت ليؤخذ منها اللباب ليصنع منه الورق الذي طبع عليه هذا الهراء!

[email protected]