داس كابتال

TT

ذكرت الصحف أثناء هذه الأزمة الاقتصادية العالمية أن الألمان اخذوا يقبلون بشكل محسوس على قراءة كتاب كارل ماركس «رأس المال»، أو كما شاع اسمه عالميا بأصله الألماني «داس كابتال»، بحيث أدرج ضمن قوائم أكثر الكتب الرائجة. أنا لم أمس هذا الكتاب بيدي وكل ما أتذكره عنه هو النكات التي قيلت عنه. لقد التقيت بعشرات الشيوعيين في حياتي ولم أجد بينهم أي احد قرأ هذا الكتاب، ناهيك عن فهمه واستيعابه. وهذا لغز عجيب. إذا لم يقرأه احد، فكيف اثر على العالم وسبب كل هذه الثورات؟ ربما لأن الشيوعيين الذين استولوا على الحكم في أوربا الشرقية لم يقرأوا هذا الكتاب فمسخوا كل شيء.

«رأس المال» من أكثر الكتب تعقيدا وصعوبة. ترجم إلى العربية لأول مرة في لبنان خلال الحرب العالمية الثانية. قامت المكتبة العصرية في بغداد باستيراده. وفي ظروف الحرب، اقتضى عرضه على الرقيب، عمي ناجي القشطيني، ليوافق عليه. أخذه للبيت ليقرأه. مرت عدة اشهر وصاحب المكتبة ينتظر الجواب. اضطر أخيرا أن يراجع الرقيب بشأنه.

«أستاذ ناجي هذا الكتاب فاتت عليه مدة طويلة ونحن ننتظر. يعني إما توافقون عليه حتى نوزعه وإما تمنعوه حتى نرجعه للناشر في بيروت».

«أي كتاب تقصد»؟

«هذا اللي كتبه واحد ألماني يسموه كاريل ماركز. يقولون عليه «رأس المال».

«أوه هذا أخذته معايا للبيت. كل يوم أقرا منه فقرة فقرتين ما افهمها، انعس وأنام. هو يعني إذا أنا ما اقدر افهمه، هو الشعب العراقي راح يفهمه؟ روح أخي روح! وزع الكتاب ولا تخاف».

وهذا ما جرى. توزع الكتاب ولم يبتعه غير عشرة أو عشرين شخصا. قرأه اثنان أو ثلاثة منهم ولم يفهموه فنعسوا وناموا.

حدث نفس الشيء في روسيا القيصرية. لم يستطع الرقيب أن يفهمه فأجاز توزيعه في عموم الإمبراطورية. واعتقد كذا جرى الأمر في معظم الدول الدكتاتورية ذات الرقابة.

لم يلعب الكتاب أي دور يذكر في الاقتصاد العالمي. ولكن له مساهماته الكبيرة في سجل الفكاهة والسخرية. وكان من أولها ما روي عن السيدة ماركس، زوجة كارل ماركس. كانت الأسرة تعيش في لندن عيشة العوز والكفاف وعلى مساعدات انغلز، رفيق ماركس في النضال والتنظير. ضاقت من هذا العيش يوما فقالت لزوجها: «أوف! يا ليتك تتوقف عن كتابة «رأس المال» قليلا وتعمل لنا شوية راس مال حتى ناكل خبز».

ومع ذلك فيعتز الألمان بما كتبه وخلفه كارل ماركس. روى الظرفاء فقالوا انه عندما انقسمت البلاد إلى ألمانيا الشرقية، القسم الفقير، وألمانيا الغربية التي ترفل بالثروة، حار القوم في تقسيم التراث الماركسي. أخيرا قسموه فأخذت ألمانيا الشرقية البيان الشيوعي (المانفستو) وأخذت ألمانيا الغربية رأس المال!!