قناعات ساذجة

TT

عندما تمضي فترة عشرين عاما على السجين المحكوم بالمؤبد، في الولايات المتحدة، يحق للمحكمة أن تطلق سراحه. بعد مضي هذه المدة على سرحان بشارة سرحان، قاتل روبرت كينيدي، بدأت أسرته حملة لإطلاقه. وسافر اثنان من أشقائه في العالم العربي يطلبان المساعدة. وبقي الرجل في السجن. ووجه سرحان نفسه الرسائل إلى رؤساء أميركا المتعاقبين وإلى المحكمة العليا وإلى أمناء الأمم المتحدة. ولا إجابة أو استجابة.

وتساءل كثيرون، لماذا؟ واعتقدت، ربما كتبت أيضا، أن السيناتور إدوارد كينيدي يرفض العفو عن قاتل شقيقه ولذا لا يستطيع سرحان الخروج. كيف توصلت إلى تلك القناعة؟ لأنني صاحب عقل شرقي. والعقل الشرقي يرفض الصفح ويطلب الانتقام. ثم إن العقل الشرقي يحب النوم، ويفضله على البحث، لأن البحث يتطلب أن تفيق وأن تبحث وتتأكد. 

هكذا بقيت أربعين عاما على قناعة تامة بأن المسألة قضية شخصية بين ابن جوزيف كينيدي وابن بشارة سرحان، إلى أن قرأت أخيرا مذكرات «الكينيدي الأخير» بعنوان «البوصلة الحقيقية». إليكم ما يقول. في شأن سرحان:

«.. في غرفة الفندق، في لوس أنجليس، جلست أكتب الرسالة، بخط يدي، إلى مدعي عام المقاطعة، أطلب منه، إنقاذ حياة قاتل «بوبي»، سرحان سرحان. كان سرحان آنذاك ينتظر صدور الحكم على فعلته، وبدا أن مصيره الإعدام في غرفة الغاز. وأبلغت رئيس المحكمة أن «بوبي» لن يوافق على زهق حياة أخرى انتقاما لزهق حياته. وشددت على أن الحكم يجب أن يصدر بروح من الرأفة والرحمة وتقدير هبة الحياة التي منحنا الله إياها. وفي اليوم التالي نسخت صورا عن الرسالة وبعثت بها إلى أثيل، أرملة بوب، وإلى أمي، وإلى شقيقاتي، أونيس وبات وجين. ووافقن جميعا عليها. وبعثت بالرسالة الأصلية إلى القاضي، هربرت ووكر. لكن ووكر لم يكترث بالرسالة وأصدر على سرحان حكما بالإعدام. ولم ينقذ حياته سوى المحكمة العليا في كاليفورنيا. ففيما كان ينتظر دوره لغرفة الغاز العام 1972 ، أصدرت المحكمة قرارا بأن عقوبة الإعدام غير دستورية. وهكذا غير الحكم على سرحان إلى المؤبد».